في مقابلة، سئل أوباما عن الهدف الدولي للحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى درجتين مئويتين منذ بداية العصر الصناعي، لاحظ الشخص الذي أجرى المقابلة، الكاتب توماس فريدمان، أن تجاوز حد الدرجتين سيعني «العبور إلى بعض المناطق الخطيرة حقًا وغير المستقرة : مثل ذوبان القطب الشمالي، وارتفاع هائل في مستوى سطح البحر، والعواصف المدمرة». خلصت وكالة الطاقة الدولية إلى أن تحقيق هدف الدرجتين سيتطلب ترك ثلثي احتياطيات الأرض المعروفة من النفط والغاز والفحم غير المحترقة تحت الأرض على حالها دون استخدام، كما قال فريدمان. فهل اتفق أوباما مع هذا الاستنتاج؟ «حسنا، العلم هو العلم»، أجاب الرئيس. «وليس هناك شك في أننا إذا حرقنا كل الوقود الأحفوري الذي هو في الأرض الآن، فإن هذا الكوكب سيكون ساخناً جداً والعواقب قد تكون وخيمة». فسأله فريدمان: «هل معنى ذلك أننا لا نستطيع أن نحرق كل شيء؟» وافق أوباما، مؤكداً فعالية تقدير الثلثين، قبل أن يضيف: «أعتقد إلى حد كبير في الحفاظ على هدف درجتين مئويتين». هذه الحتمية العلمية الجديدة - بمعنى أن نترك الجزء الأكبر من الوقود الأحفوري في الأرض - لم تدخل بعد إلى أغلب المناقشات السياسة العامة لدى معظم الحكومات والقطاع الخاص، ناهيك عن أن لتدخل التغطية الإعلامية أو الوعي العام آثارا سياسية واقتصادية ضخمة. أولاً، يستحق التوضيح أن وكالة الطاقة الدولية ليست بعيدة عن انتقادات الراديكاليين في حركة «السلام الأخضر». فقد أنشئت المنظمة في أعقاب الحظر النفطي من أوبك في عام 1973 من قبل الولاياتالمتحدة وغيرها من البلدان الرأسمالية المتقدمة. وقد تم اعتماد تحليلات وكالة الطاقة الدولية للاتجاهات والتكنولوجيات من وزارات المالية الحكومية، ومخططي الشركات، والأكاديميين المتخصصين في جميع أنحاء العالم على مدى عقود. وقد تم التعبير عن ضرورة الثلثين في طبعة 2012 من آفاق الطاقة العالمية السنوية التي تصدرها وكالة الطاقة الدولية : «لا يمكن استهلاك أكثر من ثلث الاحتياطيات المؤكدة من الوقود الأحفوري قبل عام 2050 إذا كان العالم يهدف الى تحقيق الهدف 2 درجة مئوية، إلا إذا تم التقاط الكربون وتخزينه من خلال نشر هذه التكنولوجيا على نطاق واسع (CCS). ويستند هذا الاستنتاج على تقييمنا العالمي «لاحتياطيات الكربون» التي تقاس على أنها انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون المحتملة من الاحتياطيات المثبتة من الوقود الأحفوري. إن إبقاء ثلثي احتياطيات الوقود الأحفوري الأرضي في الأرض سيحقق ثورة في الممارسات العالمية للطاقة، فإن ذلك يعني أنه على مدى السنوات الثلاثين المقبلة في دول العالم، خاصة الولاياتالمتحدة، والصين، والدول الأوروبية، عليها إزالة الكربون من اقتصاداتها بشكل كامل تقريبا. بحلول عام 2050 سيتعين عليها أن تنتج الكهرباء، وتعمل على تشغيل المركبات والتدفئة وتبريد المباني، وزراعة المحاصيل الغذائية، ليس أساساً من النفط، والغاز، أو الفحم وإنما من الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وغيرها من الطرق القليلة التي تنبعث منها غازات الدفيئة. إن فرض حد الثلثين أيضاً يبطل خطط العمل لبعض من أغنى وأقوى المشاريع في التاريخ: شركات النفط الدولية. ذلك أن التنقيب عن المزيد من النفط والغاز يجب أن يتوقف. لماذا تنفق عشرات المليارات من الدولارات سنوياً للبحث عن الوقود الذي لن يحرق؟ كذلك سيتم استبعاد عمليات التكسير الهيدروليكي، الذي هو أساساً السبيل الوحيدة للوصول إلى المخزونات التي لا يمكن أن يصل اليها الحفر التقليدي إلى ذات المخزونات التي تشكل مستوى الثلثين. إذا ذهب العالم جنباً إلى جنب مع سقف الدرجتين، فإن كمية كبيرة من الأرباح المحتملة سوف تتلاشى. تمثل احتياطيات الوقود الأحفوري اليوم تريليونات الدولارات من الثروة، سواء على الميزانيات العمومية للشركات مثل إكسون موبيل وفي أسعار الأصول التي تبلغ المستثمرين في جميع أنحاء العالم. كما أن عدم القدرة على بيع معظم تلك الاحتياطيات تترجم إلى تخفيضات السعر الضخمة على هذه الثروة (يمكن أن تصل التخفيضات وعمليات شطب الأصول إلى 28 تريليون دولار وفقاً لأحد التقديرات). إن حامليها سيبدون مقاومة ضخمة بكل تأكيد؛ وقد أعلنت شركة إكسون موبيل في أبريل أنها تعتزم إيجاد وتسويق البترول بقدر ما يمكنها، بغض النظر عن حد الدرجتين، لذلك فإن حتمية الثلثين تؤدي الى معارك سياسية عملاقة كذلك، وهو ما قد يبدأ بتفسير السبب وراء أن كلمات أوباما لم تؤد إلى تعليقات تذكر. هل مفهوم الابتعاد عن الوقود الأحفوري، الذي كان شريان الحياة للاقتصاد العالمي لمدة 200 سنة، هو ببساطة أمر لا يمكن تصوره من قبل معظم الناس؟ بالتأكيد سياسات الرئيس الخاصة تتعارض مع ترك الوقود الأحفوري تحت الأرض. إن فكرة «كل ما ذكر أعلاه» في استراتيجية استخدامات الطاقة التي قد زادت بشكل كبير الدعم الفدرالي لتحسين كفاءة استخدام الطاقة وتطوير الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والتكنولوجيات منخفضة الكربون الأخرى. وقد ارتفعت حصتها في السوق بسرعة: شكلت مصادر الطاقة المتجددة 54 في المائة من طاقة التوليد الكهربائية الجديدة في الولاياتالمتحدة في عام 2014؛ في شهر مايو، وكان نصيبها 88 في المائة. لكن سياسة أوباما - في كل ما ذكر أعلاه - هي التي في نفس الوقت تمطر أكثر سخاء الكثير من الدعم على النفط والغاز والفحم. أثناء حملته الانتخابية لعام 2012، تباهى أوباما بقوله: لقد رفعنا بمقدار 4 أضعاف عدد آبار الحفر لتصل إلى رقم قياسي، وأضفنا كميات كبيرة من أنابيب النفط والغاز بما يكفي لتغطي محيط الكرة الأرضية بل وأكثر». وقد توسعت عمليات التكيسير الهيدروليكي إلى درجة كبيرة، خصوصاً في تكساس ونورث داكوتا، إلى درجة أن الولاياتالمتحدة كادت تتفوق على السعودية وروسيا من حيث كونها أكبر منتج في العالم للنفط والغاز. لكن حين يقر الرئيس بأن الاستمرار في حرق الوقود الأحفوي سيؤدي إلى كوارث محققة على المدى البعيد فإن هذا يوجد مجالاً سياسياً كي تسير فيه الجهات الأخرى. هنري بولسون، وزير المالية في عهد الرئيس جورج بوش، كتب في مقال افتتاحي في صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 21 يونيو ما يلي: «إن وضع سعر على الانبعاثات سيخلق حوافز من أجل تطوير تكنولوجيات جديدة للطاقة تكون أنظف من السابق». وخلص إلى القول: «لقد شهدنا وشعرنا بالتكاليف التي اضطررنا إلى دفعها نتيجة لسوء تقديرنا للأزمة المالية لعام 2008، علينا ألا ننسى فقاعة المناخ». هل هذا موقف ينبئ بالويل والثبور؟ أم هو متطرف؟ أم أنه غير واقعي؟ لعقود ظل المدافعون عن الإبقاء على الوضع القائم يلقون هذه الاتهامات على أي شخص يقترح الابتعاد عن الوقود الأحفوري. والآن حيث إن الوضع القائم ساد لفترة طويلة، لا بد للبشرية أن تقوم بهذا التحول وبسرعة غير مسبوقة، وإلا فإنها ستواجه كارثة غير مسبوقة. لا يجب أن يجرؤ أوباما والزعماء الآخرون على النسيان: العلم لا يكترث بأنصاف الحلول والتبريرات، فهو يهتم فقط بالنتائج العملية.