لازلنا كبشر نتواصل بشكل متتالي منذ العصور المختلفة التي بدأت بالعصر الأسطوري, ثم العصر الديني وبعدها جاء العصر العلمي, فألغيت جميع المسافات وتخطينا حواجز الزمن حيث ننظر لبعضنا كماض يمتد عبره مضارع الزمن ويحكمه أمر الواقع الحالي فما من إنسان في هذا الوجود إلا ويطغى عليه الإحساس بالموجودات والحنين إلى العصر الذي شكل التساؤلات الأولى له ولازالت الأرواح تهفو إلى تفسير الظواهر بشكل أسطوري, ولازلت مغرمة بالأساطير التي تنقلني من عالم واقعي إلى عالم أكثر هشاشة ودهشة وشفافية في التعبير عن كل الظواهر الطبيعية والذات الإنسانية, فالنشوة التي يحس بها الإنسان بعد تفسير ما حوله بلغة الأسطورة ما هي إلا مخرج بسيط من مأزق الركود في المشاعر الإنسانية المتضاربة ومحاولة الاستمرارية للوصول إلى فضاء التعبير بالأسطورة ولعل أول أسطورة حاولت اختراق حواجز صمتي الإنساني هي أسطورة «سيزيف» الذي رفع الستار عن الكثير ممن يشبهونه في الجبروت والخبث لازلت مغرمة بالأساطير التي تنقلني من عالم واقعي إلى عالم أكثر هشاشة ودهشة وشفافية في التعبير عن كل الظواهر الطبيعية والذات الإنسانيةولمن لم يقرأ أو يسمع عن قصة «سيزيف» وصخرته سوف اذكر القصة هنا: كان من أكثر الشخصيات مكرًا بحسب الميثولوجيا الإغريقية، حيث استطاع أن يخدع إله الموت «ثانتوس» فكبله ليعيق عمله، فلم يعد احد يموت مما أغضب كبير الآلهة «زيوس»، فعاقب سيزيف بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادي، فيعود لرفعها إلى القمة مرة أخرى، ويظل هكذا حتى الأبد، فأصبح رمز العذاب والحيرة الأبدية. وعلى هذا فإنه تم ربط أي نشاط عديم الهدف بأنه نشاط «سيزيفي « يا ترى كم «سيزيف» لدينا ممن يدّعون الذكاء وهم خبثاء؟ وممن يعملون بعبثية بلا هدف واضح, ياترى كم من وزير أو قاض مدير جامعة أو مدرسة مهندس أو طبيب من يستخدم ذكاءه لتحقيق مآربه دون وضع اعتبار للمسؤولية المهنية والاجتماعية المناط به, يا ترى كم شخص بيننا يعي دوره فعليا ويعمل دائما على أن يحسّن من أدائه ويتقن العمل بكل حرفية ومهنية وبأخلاقيات عالية عملاً بمبدأ الرقابة الذاتية.