.. الأشخاصُ أفكارٌ ووجدان، قد تختلف مع أفكار بعض الناس وقد تتفق، ولكن في الوجدان الصفات تبقى واحدة متفق عليها لا يمكن أن تكون موضع اتفاق، ولا مفرق خلاف، فالشجاعة هي الشجاعة، والجبنُ هو الجبن، والصدقُ هو الصدق، والنفاقُ هو النفاق.. ولكن الفكرَ والوجدان في المحتّم يتقاطعان، تقاطع بالغ الدقة لمن يفهمه ويزنه. قد تتقاطع أفكار سيئة مع وجدان جبان وتكون المحصلة قبحا وقذاعة، وقد تتقاطع أفكارٌ سيئة مع وجدان شجاع، فيبقى حكمك على الفكر بما تراه أنت من خلال أفكارك، ولكن يبقى أن تُعْجَب بالصفة الوجدانية الشجاعة. وعندما تقف على عقيدة ونية أي شخص تتفهم أفكارَه وتضعها في قالبها المعد لها قياسا وتناسبا، ولا تحشرها في قالب لا يليق ضيقا، أو يرتخي اتساعا. وكذلك أقف ضد أفكار ساطع ألحصري، وموسى سلامة، وآراء رائد الفكر الشيوعي محمود أمين العالم- وللإنصاف قال إنه مؤمن يؤدي الصلوات ويصوم رمضان، وأن الشيوعية في نسقه الفكري لا تعني الإلحاد- أقول نعم أقف ضد آرائهم ربما بعدم الاستساغة في أول الاتصال، ولكن هذا لا يجعلني ألاّ انتبه أنهم أهل وجدان ذكي ومعرفي، وشجعان في بث رأيٍ ولو رأيناه في أحط الدرجات التي يصنفها تفكيرُنا نحن.. إنهم قومٌ عاملون على أفكارهم، وشجعان عند الجرأة في المناداة بها رغم السيول التي تعترض الطريق، وبعضها سيولٌ من سيوف. لا نتفق معهم بأفكارهم، ونحرص على تسمية صفاتهم الوجدانية بما هي طبيعة الوجدان لا يحتمل اتفاقا ولا خلافا. متى ما فرّقنا بين الوجدان والأفكار، وجدنا عذرا من الوجدان للأفكار، وربما مشينا فرسخا إضافيا، وتفهمنا مسالك وجدان حامل الرأي الخاطئ ونقلنا أفكاره بتدريج وعناية وشفقة إلى ضفتنا.. وإن كنا نحن على الضفة الخاطئة لقام هو بالنقل المتريث لضفته. واليوم بعد أن انجلى غبارٌ، وصار الرؤية أميل للسلامة، بودي أن أتحدث عن شخصية طالما لفتتني كما لفتت غيري، أعرضها عليكم، كي لا يكون خلاف، من جهة الوجدان، ويبقى أن أفكاره له .. بعيدا عن من يقف ضدها، أو معها، أو يتفهم بعضها وينبذ بعضها. لا يمكن أن يُغفَل حضورُ شخصيةٍ مفجرة للنقاش مثل شخصية الإعلامي الشديد الوهج السيد «عبدالرحمن الراشد» ، كاتب العمود المثير للعراك وليس فقط الجدل، والرأس المخطط لقناة العربية التي فرضتْ سطوةً إعلاميةً تكاد ألا تُجارى في سماء الإعلام العربي أكنتَ معها أم تحفّظت ضدها.. السيد الراشد، يبرز كسيزيفٍ إعلامي - سيزيف من الأرباب الصغار في الأولمب حكم عليه زيوس وكبار الآلهةِ بأن يحمل صخرة إلى القمة ثم تتدحرج للأسفل فيعيد حملها للقمة.. إلى الأبد.- الراشد يحمل صخرة مسئولية فكرة منهجية واضحة يرى أنها ستساهم بنقلة نوعية عن الرأي السائد، وكل ما عادت هذه الصخرة الثقيلة إلى السفوح عاود بإصرار لرفعها على ظهره مرة أخرى، وتتكرر الدحرجة والصعود، ويبقى مثل سيزيف الميثولوجي الإغريقي الذي ينفذ عقابَ الإلهة. والراشد يحمل همّه للتغيير الفكري العام، وكلاهما عملٌ فيه من الأبدية الشيء الكثير. يبقى أن الأستاذ الراشد صنع بُعدا عالميا أو غربيا بالتحديد، وأعطاه ذلك درعا واقية لم يكن من حظ زميله الأسطوري سيزيف.. كما يثبت الراشد ذكاء بقائياً انتخابياً (على الطريقة الداروينية) ، فيحسن استغلال تواجده في أكبر وسيلة نقل للصيت في العالم العربي من جريدة «الشرق الأوسط» لقناة «العربية» لقطف شهرةٍ لم يصل إليها إعلاميٌ عربيٌ. هناك من يرى الرجلَ فارساً وحيداً لمحاربة الرجعية والظلامية، وهناك من يراه خادماً لجبابرةٍ يهدمون معاقلَ الدين والتراث.. وبرأيي أنه يحمل ما يراه هو، وما يقتنع به هو ، ولا ينتظر معارضتنا ولا موافقتنا فهمّه حملَ الصخرة .. ولكن صخرة سيزيف جاءتْ عقاباً، وصخرة الراشد حُمِلَتْ.. اختيارا!