قال الراوي: يا سادة يا كرام صلوا على خير الأنام تذاكر رهط من أهل القلم والأدب والفضل والنشب بيت الأخطل: تدب دبيبا في العظام كأنه دبيب نمال في نقا يتهيل فقال أكثرهم بسطة في العلم والجسم وهو همام بن هيثم المهري: أيها الحفاظ الثقاة من يدلنا منكم على ما قصده الأخطل بهذه التي تدب دبيبا في العظام ؟ فسكت الرهط برهة ثم قام الأحدب بن جديس البغدادي قائلا: إنها المحبة.. فهي وحدها التي يتهيل لأجلها الجسد وتصطك العظام ويختلط الحابل بالنابل في القلب والعقل. ثم قام مطاع بن أبي قتيبة قائلا: يخالجني الظن ان ما قاله الحافظ الأحدب بعيد عن قصد الشاعر وأرجح الرأي انه كان يعني الصحة.. فهي التي تتهيل في جسم الإنسان كلما طعن في السن. إنها هي التي تدب دبيب النمل وتحيل المضمون الى شكل .. ألا ترون – أسرج الله بصائركم – ان الصحة لا تأتي الى السقيم في خط مستقيم ؟ بل رويدا رويدا مثل غرق عاشقين في جهل اللغة فهما يعيدان ويبديان في الكلمة الواحدة وكأنها قبلة متكررة. كان كعب بن الأشرس السلمي الشاعر البصري غير مصغ تماما لما قيل لما فيه من الضعف والتهافت.. فقام، وقال : سدد الله خطاكم أيها الحفاظ أنا بعد ان قضيت في متاهات الشعر وآباره زمنا طويلا أرى ان ما قصده الأخطل هي الفلسفة، فهي التي تخالط العقل فتسبب له تهيل الشكوك والأوهام وتهدم اليقين بهدوء الثعبان ودبيب الأفعى. وحين لم يصل بهم القول الى ميناء الحقيقة توجهوا الى الحافظ همام بن هيثم المهري قائلين بلسان الأحدب بن جديس: يا أبا الناقة «وكانت هذه كنيته» ماذا تقول أنت؟ وماذا قصده الأخطل بقوله؟ فتبسم، وقال: لقد نسيتم أن الأخطل نصراني لا يكون إلا خبيث القصد.. فهو لا يمكن ان يقصد المحبة كما ظن الأحدب ولا الصحة كما ظن الحافظ مطاع ولا الفلسفة كما ظن الحافظ كعب.. فهذه كلها معان لا تخطر له على بال وقصدها على مثله محال. لقد كان يقصد الفتنة وان تشيع الفاحشة بين الناس.. قبحه الله وقبح مقصده. هنا أطرق الجميع وركبوا سفينة الصمت وكان أكثرهم غير مقتنع بما قال أبو الناقة ولكن ماذا يصنعون وهو الصدر !!