سبق أن أشرت إلى استغلال الأطفال في الترويج ل«الثورات العربية» أو استغلال الأنظمة العربية للأطفال في إظهار فوضوية و«بشاعة» وعنت الثورات و«إجرامها». الجانبان استغلا الأطفال في الترويج، كل لغايته وهدفه. وهذا استغلال بشع لبراءة الطفولة بغض النظر عن سوء أو سمو الهدف، خاصة حينما يبدو الطفل ملقّناً عبارات سب وشتم و«إسقاط النظام» أو ملقّناً عبارات تدين إجرام «العصابات» وهو الاصطلاح الذي تطلقه الأنظمة على المتظاهرين والناشطين في الثورات العربية. وهذا استغلال مقزّز وهمجي، ينتجه فكر حزبي ذرائعي يتعانق مع الإيطالي نيقولا ميكافيلي صاحب «الأمير» وإمام السياسيين الذي شرّع أن الغاية تبرر الوسيلة، على الرغم من أن ميكافيلي ألّف كتابه ونظريته تحت ضغط أمنية أن تستعيد إيطاليا المفككة إلى دويلات متناحرة، آنذاك، وحدتها. من المسيء دفع الأطفال إلى النطق بمصطلحات وقضايا لا يعرفونها ولا يفهمونها. وهذا سوء تربية وتدريب لهم على التدليس منذ الصغر. وفي الحقيقة يستغل الأطفال قبل الثورات العربية وفي مجالات كثيرة، بأكثر الصور تخلفاً ورداءة.. خذ عندك «برلمان الأطفال» الذي استحدث في كثير من البلدان العربية، (يعني من فرط الديمقراطية وحرية التعبير في الوطن العربي.!). يأتي طفل لم يتجاوز عمره العشر سنوات ويقدم خطبة سياسية عصماء يعجز عن الإتيان بمثلها كثير من السياسيين المحترفين. ويطرح شعارات ضخمة ويقدم نصائح في موضوعات كثيرة مثيرة شديدة الوطأة والاستعصاء، مثل تحرير فلسطين، وإشاعة الحرية والديمقراطية وفساد المسئولين. وواضح أن دور الطفل لم ولن يتعدّ قراءة الخطبة التي كتبها شخص آخر قد يكون كهلاً مدربا على الكتابة وصياغة الخطابات العربية الرنانة الشهيرة بالحشو ولغو الكلام الفارغ. من المسيء دفع الأطفال إلى النطق بمصطلحات وقضايا لا يعرفونها ولا يفهمونها. وهذا سوء تربية وتدريب لهم التدليس منذ الصغر. والمفروض أن يقتصر برلمان الأطفال على إبداء الرأي في مسائل يفهمها الأطفال وبسيطة تتعلق بترفيههم والأطعمة التي يتناولونها ومحاورتهم في رغباتهم الصغيرة التي ينشغلون بها ويتأثرون. ولا أتوقع أن طفلاً في العاشرة سيهتم بالاستماع أو يطيق خطبة طويلة لزعيم عربي مهيب، فما بالك بتحليلها وإبداء الرأي في المنمّقات البلاغية. ** وتر وجهك مثل روحك مثل ظلال الزيتون، عناق أبديّ للبهجة والفيء.. سعداً لفيلادلفيا الخصيبة التأنّق هذا المساء، إذ تبتهج ببشارة المواعيد. أعب ملء رئتيّ من رياح الشمال المحملة بعبق الخزامى العابر للمسافات. [email protected]