يبدو مصرف "بي ان بي باريبا" الفرنسي على وشك طي صفحة مؤلمة من تاريخه بدفع غرامة قياسية قدرها تسعة مليارات دولار لمنع ملاحقات جزائية ضده لانتهاكه الحظر الأمريكي على عدد من الدول، في أكبر عقوبة مالية تفرضها الولاياتالمتحدة على مصرف أجنبي. وقالت مصادر متطابقة إن الاتفاق الذي يتم وضع اللمسات الأخيرة عليه سيعلن مساء اليوم. وردا على اسئلة وكالة فرانس برس، رفض المصرف والسلطات المعنية الادلاء بأي تعليق. وهذه الترتيبات الودية ستنهي اشهرا طويلة من المفاوضات الشاقة والمتوترة التي شاركت فيها الدولة الفرنسية على اعلى المستويات. وقد تدخل الرئيس فرنسوا هولاند شخصيا بمحاولته الضغط على نظيره الاميركي باراك اوباما الذي رفض بشكل واضح اي تدخل. وقالت المصادر ان "بي ان بي باريبا" سيعترف بالتهمة الموجهة اليه ليتجنب بذلك محاكمة نتائجها غير محسومة. لكن هذا الاعتراف بالذنب الاستثنائي لشركة لا يخلو من المجازفة. فهو يعرض المصرف لطلبات تعويض من اطراف ثالثة وإمكانية فقدان العلاقات التجارية التي تقيمها بعض صناديق التقاعد او الادارات المحلية معه وفق قواعدها الداخلية. وذكرت المصادر أن "بي ان بي باريبا" وافق على ما يبدو على دفع غرامة قدرها 8,9 مليار دولار (6,4 مليار يورو) اي ما يعادل 16 شهرا من الارباح حسب نتائج 2013 (4,8 مليار يورو من الأرباح الصافية). وكان المصرف توقع غرامة قدرها 1,1 مليار يورو، وهو مبلغ قريب من غرامات فرضتها الولاياتالمتحدة في 2012 على بعض المصارف الأجنبية مثل البريطانيين اتش اس بي سي (1,36 مليار يورو) وستاندارد تشارتر (483 مليون يورو) والهولندي أي ان جي (446 مليون يورو). وفرضت غرامة قدرها 2,6 مليار دولار (1,87 مليار يورو) في ايار/مايو على بنك كريدي سويس بتهمة التحريض على التهرب الضريبي. وقال المدير العام جان لوران بونافيه في مذكرة داخلية الى الموظفين نشرت الجمعة "اريد ان اقول ذلك بوضوح: ستفرض علينا عقوبات كبيرة لان حالات خلل سجلت واخطاء ارتكبت". لكنه اضاف ان "هذه الصعوبات التي نمر بها يجب الا تؤثر على خارطة الطريق التي وضعناها". ويرى محللون أن هذه الغرامة ستضر بسمعة البنك وتؤثر بشكل كبير على وارداته هذه السنة بامتصاصها كل ارباحه. كما يمكن ان تؤثر على درجة ملاءته التي تعد مقياس متانته المالية الذي وضع بعد الازمة وتتابعه عن كثب الاسواق وسلطات ضبط الاسواق. وقالت المصادر إن المصرف سيخضع لمدة عام لتعليق عمليات "التعويض" (التسوية) بالدولار. وتتعلق هذه العقوبة بالنشاطات المربحة جدا لقطاعي النفط والغاز اللذين يشكلان لب القضية. وقالت المصادر نفسها إن مكاتب المصرف في باريس وسنغافورة وخصوصا جنيف الفرع الذي وجهت اليه الاتهامات، ستمنع من عقد أي صفقات بالدولار طوال هذه المدة. ويفترض ان تحدد مهلة للمصرف ليجد حلا بديلا، أي العثور على مصرف يوافق على تسديد الدفعات بالدولار باسمه. وهذا الأمر يحد من رحيل المؤسسات المودعة لديه (الشركات المتعددة الجنسيات وصناديق الاستثمار وشركات التأمين والمجموعات النفطية..). وقال مصدر مصرفي إن "بي ان بي" تحدث في هذا الشأن الى بعض المصارف في الولاياتالمتحدة. وبمعزل عن هذه العقوبات المالية، اضطر المصرف لإزاحة مديرين كبار فيه. وقالت المصادر إن اثنين من كبار مديريه أحدهما مديره العام المنتدب جورج شودرون دو كورسيل وأكثر من عشرة من المصرفيين المرتبطين بالعمليات التي سببت المشكلة سيغادرون البنك. واستهدفت وزارة العدل الاميركية ورئيس هيئة ضبط المصارف في نيويورك بنجامين لوسكي بي ان بي لأنه سمح بتسديد مبالغ بالدولار لدول تخضع لعقوبات اقتصادية اميركية وخصوصا السودان وإيران وكوبا بين 2002 و2009. وقال مصدر ان المصرف قام ببعض العمليات المحظورة حتى 2012 بينما كان تحقيق السلطات الاميركية جاريا. وشمل التحقيق صفقات تتجاوز المئة مليار دولار. وقالت مصادر إنه خلص الى ان ثلاثين مليارا اخفيت للالتفاف على العقوبات. ويبدو أن الأسواق تكهنت بهذه العقوبات الكبيرة التي يجري الحديث عنها منذ نهاية ابريل إذ ان سعر سهم "بي ان بي باريبا" خسر نحو 10% من قيمته منذ ذلك الحين.