أدلى الناخبون في موريتانيا بأصواتهم في انتخابات رئاسية يبدو الرئيس محمد ولد عبد العزيز الأوفر حظا للفوز فيها، في غياب أبرز معارضيه، الذين دعوا الى رفض الاقتراع في بلد يعد أربعة ملايين نسمة دعي منهم أكثر من 1,3 مليون ناخب مسجل الى التصويت بعد حملة استمرت اسبوعين، هيمن عليها الرئيس المرشح الذي طغت صوره الكبيرة على الصور الصغيرة والنادرة لخصومه الاربعة. وبين المرشحين الاربعة سيدة هي مريم بنت مولاي ادريس (57 سنة) والناشط الحقوقي بيرام ولد الداه ولد اعبيد رئيس منظمة المبادرة من اجل احياء الكفاح ضد العبودية -التي ما زالت تمارس عملها رغم حظرها قانونيا منذ 1981-، والمرشحان الآخران فينتميان الى حزبين في المعارضة التي توصف "بالمعتدلة"، وهما بيجل ولد هميد رئيس حزب الوئام (سبعة نواب في الجمعية الوطنية)، والقيادي الزنجي إبراهيم مختار صار النائب والصحافي السابق ورئيس تحالف الديموقراطية والعدالة/الحركة من أجل التجديد (نائبان معارضان). وصباحا اصطفت طوابير قصيرة امام العديد من مراكز الاقتراع في نواكشوط، وقال الناخب السبعيني ابراهيم: إن موريتانيا التي واجهت حتى كانون الثاني/يناير 2010 "أعمال الجهاديين استعادت السلام"، وأضاف: "إنه امر أساسي وأريد أن يستمر لان السلام لا غنى عنه"، أما الشابة "لالا" فدعت "الجميع للتصويت ولو وضعوا بطاقات بيضاء". ويتهم المعارضون الرئيسيون الرئيس عبدالعزيز بالدكتاتورية وقد دعوا الى مقاطعة الانتخابات التي وصفوها بأنها "مهزلة انتخابية" تنظم "من جانب واحد". ويضم المنتدى الوطني للديموقراطية والوحدة الذي يجمع المعارضة 11 حزبا من تنسيقية المعارضة الديمقراطية وحزب تواصل الاسلامي (16 نائبا في الجمعية الوطنية)، وشخصيات مستقلة ونقابات ومنظمات من المجتمع المدني. وتجري الانتخابات بإشراف 700 مراقب، بينهم مئتان جاؤوا من الخارج، ويقود وفد مراقبي الاتحاد الافريقي رئيس الوزراء التونسي السابق الباجي قائد السبسي، وأوضح بيان للجنة المستقلة للانتخابات أن العدد النهائي لمن يحق لهم التصويت في الانتخابات الرئاسية بلغ 1328168 ناخبا، وعدد مكاتب التصويت على عموم التراب الوطني 2957 مكتبا، منها 452 مكتبا في العاصمة نواكشوط. وتولى الجنرال السابق عبد العزيز الحكم إثر انقلاب عسكري في 2008 ثم نظم انتخابات في 2009 فاز بها لولاية اولى تستمر خمس سنوات. وتبدو موريتانيا اليوم واحة سلام في منطقة الساحل الصحراوي التي تهزها اضطرابات شديدة؛ إثر أزمتي مالي وليبيا، وهي نتيجة قال الرئيس: إنها تمت بفضل "اعادة تنظيم قدرات الجيش وقوات الامن" بمساعدة تقنية من فرنسا القوة الاستعمارية السابقة. وكان تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي ينشط كثيرا في موريتانيا، حيث ارتكب عدة اعتداءات وعمليات خطف، الا ان الجيش الموريتاني شن في 2010 و2011 بنجاح "غارات قيل إنها وقائية" على قواعد ووحدات مقاتلة للتنظيم في شمال مالي، حيث كان الفرع المغاربي للقاعدة يخطط لشن عملياته داخل الاراضي الموريتانية. واقع اجتماعي وعلى الصعيد الاجتماعي، يتهم المرشح الرئاسي بيرام ولد داه ولد اعبيد السلطات أنها لا تبذل ما يلزم لإلغاء العبودية في موريتانيا، وقال ل "فرانس برس": إن "لم تلغ العبودية قط" في بلاده رغم وجود قانون بإلغائها وصفه بأنه أعد "للاستهلاك الخارجي"، ونيل رضا المجتمع الدولي، وينتمي بيرام ولد اعبيد (49 سنة) الى عائلة من "الحراثين" وهي التسمية التي كانت تطلق على العبيد في الماضي، وهو رجل قانون ومؤرخ، وأدى نضال رئيس مبادرة الحركة الانعتاقية ضد العبودية (إيرا) به الى السجن، وأوضح أن "موريتانيا لم تلغ العبودية بتاتا لان الدولة كانت دائما تعين في أجهزتها الامنية والجهاز القضائي وأجهزتها الثقافية أئمتها وفقهاءها.. من أجل إبقاء الرق ومكافحة إلغائه". وقد ألغي نظام العبودية رسميا في 1981 في موريتانيا التي تعد 3,8 ملايين نسمة من اصل عربي وبربري -ومن المور- ومن افريقيا جنوب الصحراء -السود الافارقة-، وصودق في 2007 على قانون يجرم ممارسة الرق المنتشر بين كافة طبقات المجتمع. ويقول ولد اعبيد: إن "القوانين اعتمدت من اجل الاستهلاك الخارجي"، إنها "طلاء لماع مخصص للجهات المانحة، والشركاء والمؤسسات الدولية التي تنتمي إليها موريتانيا وتحرم العبودية". واعتبر ان "كل هذه القوانين لم تتم صياغتها لتطبيقها ولذلك لم يتم القضاء على العبودية رغم القوانين"، بل بالعكس كما قال: إن "من يتعرضون للقمع دائما هم الناشطون ضد العبودية، إنهم دائما العبيد الذين يتوقون الى الحرية والمساواة". ويرفض رئيس "مبادرة الحركة الانعتاقية" قطعا فكرة تجذر العبودية "ثقافيا" في المجتمع كما تعودت ان تقوله النخب المورية، وقال: "إنهم يزعمون أن الميراث ثقافي وأن القوانين لا تستطيع شيئا لكن هذا غير صحيح"، إن "كل كبار موظفي الدولة يتحدرون من اناس يمارس معظمهم العبودية، إنهم هم من يبقي على نمط الحياة الاستعبادي ويكافحون عتق الرق، لذلك يجرمون كل المناضلين ضد العبودية ويدينوهم ويسجنوهم". ويرى ولد اعبيد انه لو طبقت الدولة "لمرة واحدة القانون بحزم على مجرم مستعبد واحد فإن كل الذين يمارسون العبودية" سينفصلون عن "عبيدهم ونمط حياتهم الاستعبادي". وأضاف: "لا علاقة للامر بالثقافة، إنها جريمة والدولة والذين يسيرونها يتمادون في هذه الجريمة، إنهم هم من يسهرون على استمرار حالة الافلات من العقاب". ورداً على تهم "العنصرية" و"الطائفية" التي يوجهها له بعض حكام البلاد، قال: إنها "دعاية" و"العبيد والذين كانوا عبيدا يشكلون أكثر من نصف الشعب الموريتاني"، أي حوالي مليوني نسمة، لكن هذه الارقام التي قال إنها تستند إلى "استطلاع اجرته حركته في 2009" لا يعتد بها في موريتانيا، حيث تفيد التقديرات الرسمية أن ثمانين بالمئة من الموريتانيين من المور بمن فيهم الحراثون، بينما يشكل السود الافارقة العشرين بالمئة الباقين. اقتصاد يتعافى وعلى الصعيد الاقتصادي، سجلت موريتانيا البلد الصحراوي الذي يبلغ عدد سكانه 3,8 ملايين نسمة ويقع على المحيط الاطلسي نموا بلغت نسبته 6 بالمئة في 2013. وقال عبد العزيز: إنه ساهم في خفض نسبة التضخم الى اقل من خمسة في المئة، في هذا البلد الغني بالحديد وتزخر مياهه بالسمك ويستغل النفط منذ 2006. وتدفع هذه النجاحات في المجال الاقتصادي وفي مكافحة المجموعات المسلحة، الرئيس وأنصاره الى التأكيد على ان موريتانيا قامت منذ توليه الحكم "بخطوات عملاقة". وقال محمد فال ولد عمير المحلل السياسي ومدير صحيفة لاتريبون: إن "النقطة الأولى التي يعتبر فيها نجاح عبد العزيز لا جدال فيه هو فعلا أمن واستقرار البلاد وابتعاد شبح الخطر الإرهابي". تبلغ مساحة موريتانيا 103 آلاف كلم مربع، وهي همزة وصل بين المغرب العربي وبلدان افريقيا جنوب الصحراء. وموريتانيا بلد شاسع معظم مناطقه صحراوية ويطل على المحيط الاطلسي ويتقاسم حدوده مع السنغالومالي والجزائر والصحراء الغربية التي ضمها المغرب في 1975. ويعد سكان موريتانيا 3,8 ملايين نسمة في 2012 (البنك العالمي)، يمثل فيه المور ثمانين بالمئة من السكان والسود الافارقة 18 بالمئة، في 1989 أسفرت أعمال عنف عرقية عن سقوط مئات القتلى بين مجموعة السود الافارقة. لغة البلاد الرسمية العربية، بينما اللغة الفرنسية مستخدمة على نطاق واسع ويدين جميع سكانها بالإسلام (وتشير احصائية إلى أن 1% فقط غير مسلمين)، استقلت موريتانيا عن القوة الاستعمارية الفرنسية في تشرين الثاني/نوفمبر 1960 إثر انقلاب نفذه مختار ولد داداه الذي اطاح به انقلاب في 1978 قاده العقيد مصطفى ولد السالك، في 1984 أطاح العقيد معاوية ولد الطايع بالرئيس محمد خونا ولد هيداله الذي كان رئيسا منذ 1980 وانتخب ولد الطايع رئيسا في 1992 وأعيد انتخابه في 1997 و2003. في اب/اغسطس 2005 تولت السلطة مجموعة عسكرية بعد قلب نظام ولد الطايع وبادرت بعملية انتقال ديموقراطية تخللتها عدة انتخابات، وانتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله في 2007 كأول رئيس ينتخب ديمقراطيا مكرسا عودة المدنيين الى السلطة، لكن بعد 15 شهرا اطاحت به في اب/اغسطس 2008 مجموعة عسكرية أخرى قادها محمد ولد عبد العزيز. وفي تموز/يوليو 2009 انتخب عبد العزيز في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية (52,47% من الاصوات). وفي نهاية 2013 فاز الاتحاد من أجل الجمهورية (الحزب الحاكم) بأغلبية المقاعد في الجمعية الوطنية إثر انتخابات قاطعتها المعارضة المتكونة من عشرة احزاب من 11 حزبا، تشكل تنسيقية المعارضة الديموقراطية. وقد تخلت نواكشوط في 1979 عن مطالبها في الصحراء الغربية بعد سنوات من الحرب ضد جبهة البوليساريو. ويتبع الرئيس ولد عبد العزيز سياسة نشطة ضد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي الذي كان من الحركات التي احتلت شمال مالي، وأمر بغارات على قواعده في مالي في 2010 و2011. وانضمت موريتانيا في 2006 إلى نادي الدول الافريقية المنتجة للنفط مع استغلال حقول شنقيط في عرض البحر قبالة نواكشوط، ويشكل قطاع المعادن (حديد ونحاس وذهب وفوسفات وملح) بين 12 و15 بالمئة من إجمالي الناتج الداخلي و55 بالمئة من الصادرات، ومن الموارد الاخرى: الصيد البحري والزراعة، ويعيش حوالي 46 بالمئة من السكان تحت عتبة الفقر. وحقق الاقتصاد نموا من 6,2 بالمئة خلال 2012 لا سيما بفضل الصيد البحري وقطاع البناء والاشغال العامة. ويبلغ إجمالي الناتج الداخلي للفرد الواحد: 1110 دولارات في 2012 (البنك العالمي) وتبلغ قيمة الديون الخارجية: 2,461 مليار دولار في 2010 (البنك العالمي).