قد تغيب سعيا وراء الصمت المترف.. ولكنه الترف الخارجي كالعادة، فصوتك الداخلي لا يحسن الاستمتاع بهذا النوع من الترف ولا يعرف كيف يتعامل معه وعلى ضوئه الا في لحظات روحية نادرة حين ينسكب في داخلك شعور بالامان والاطمئنان رغم الاعاصير من حولك. لماذا الغياب؟ سؤال له لون الجمر المتوقد حينا.. ولون الرماد اكثر الاحيان.. سؤال يحرضك على الحضور رغما عنك لتذر الرماد وتقبض على الجمر، تغيب عن غضب، او عن حب، خياراتك دائما متشابهة وغيابك يلوح بلون واحد من نافذة ناظريك للآخرين ولكنه يمزج كل الالوان بسرية تامة في حضورك امام ذاتك، فلسفة الغياب.. عالمك الخاص في ابهة الحضور المرفوض، وما اكثر حالاته المتكررة في اليوم الواحد على الفرد والجماعة. هل الغياب يعني بالضرورة عدم الحضور.. لا اشك في انك عزيزي القارىء تدرك أن الغياب هو حضور مختلف نرتدي فيه حلة السؤال الذي يتولى المحللون مهمة البحث عن اجابة بل اجابات ليقدموها لك عن نفسك، وليس بالضرورة ان يصيبوا فيها وليس بالضرورة ان يخطئوا ولكن الاهم ما الذي يمكن ان يقدموه لك لتفصح عن اجابة ما.. تريح الآخرين، وليس بالضرورة ايضا ان تبعث الراحة في نفسك بل يكفي احيانا ان تكون شبيهة برفع اليد اشارة لطلب ان يلتزموا الصمت لتتفرغ انت لما تريد. بعض اشكال الغياب انتجت علما وفنا وادبا.. ابو العلاء المعري وبيتهوفن وهيلين كيلر وغيرهم كان لغيابهم افراز حضوري طاغي يستفيد ويستمتع به كل الحاضرين. كثيرون هم الذين غابوا لاسباب مباشرة او غير مباشرة ولكن غيابهم كان له حضور لا يشبه الا نفسه ذلك لانهم يملكون موهبة القفز. وهذا ما نحتاجه دائما لنتجاوز الكثير من المتاعب والاشكاليات الحياتية والعملية.. نحتاج كمجتمع للقفز حتى لا نغيب.. نحتاج للقفز ليكون لنا حضور قوي قادر على الانجاز والابداع في التعامل مع التغير. خطوة واحدة لا تكفي لنصل حتى ان كانت هي الرقم الاول في (الالف ميل) فالمبالغة في التروي يكون ضررها اشد من المبادرة. وقد تكون القفزة الطويلة اكثر اجهادا ولكنها تحقق نتائج افضل. فما بالنا نتردد في القفز! ونؤجل المبادرات بحجة انتظار ان يتضخم الوعي لدى الجميع فيصفوا صفا واحدا لتكون القفزة جماعية باختيار الجميع. هذا لن يحدث، وعندما نكون اكثر تفاؤلا نقول: انها تحتاج لسنوات وسنوات من الانتظار المربك للجميع والمبدد لكل جهد. في اجابة عن سؤال طرحته على معالي الدكتور عبدالله نصيف حول عدم تفعيل توصيات اجتماعات الحوار الوطني علق معاليه تلك التوصيات على كاهل المجتمع بأسره قائلا: ان بعض التوصيات تحتاج لسنوات طويلة ليكون المجتمع قادرا على تقبلها والعمل بها ومن اجلها.. اذا هانحن من جديد نشخص الداء ولا نصف الدواء، وكان مما قلته لمعاليه: قد يكون معكم الحق في هذه الرؤية في بعض الجوانب ولكن هناك أمورا تحتاج الى قرار ونظام وقوانين تسن يستجيب لها الجميع حتى من يرفضها في البداية فبعد ان تتاح له فرصة معاينتها سيقبلها سواء كان ذلك عن قناعة او لا. ونحن بالتأكيد لا ننتظر من الجميع عدم الاختلاف مع القرارات العلاجية، وقد سبقني احد زملاء هذه الصفحة الى طرح فكرة مميزة ملخصها ايقاف عقد الاجتماعات الحوارية لحين النظر في التوصيات السابقة والعمل على تفعيلها وبخاصة بعد ان تحولت انظار الكثير من الناس والمؤسسات وعلى رأسها الاعلام عن الاهداف السامية للحوار الوطني الى اهداف انفعالية عابرة سريعة الزوال. قالت لي احدى الصديقات تعليقا على واحد من تلك المواقف. بكت وفاء الرشيد فهاجت الدنيا وماجت وكأن نصف المجتمع يبكي منذ زمن ولم يفطن له احد! واضيف على ذلك.. دعونا نقفز يا معالي النائب حتى لا نغيب.. دعونا نقفز للاصلاح فقد غبنا طويلا فلنقفز لنحضر.