عقدت ورشة الزيتون الادبية ندوة لمناقشة رواية "ابتسامات القديسين" لابراهيم فرغلي ادار الندوة الشاعر شعبان يوسف الذي قال في البداية: لا اعترف بمصطلح "زمن الرواية" لان لدي احساساً بأن هناك احداً وراء المقولة، وان هناك فئة وراء المصطلح، وليس معنى ان هناك عدداً كبيراً من الروايات المنشورة ان الغلبة للرواية، فليس بالكم تقاس الرواية، حيث ان هناك الكثير من الروايات التي يحدث لها اعلام مزيف، وعند قراءتها لا نجد لها قيمة حقيقية. واضاف شعبان: لقد شغلتني رواية "ابتسامات القديسين" منذ قرأتها، واحتفت بها روحي احتفاء شديداً. واكد ان عمود هذه الرواية يقوم على العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في مصر، وربما كانت اول قصة في هذا الموضوع قصة "الله محبة" لاحسان عبد القدوس، واشار الى ان الرواية "ابتسامات القديسين" فيها نعومة في طرح القضايا، فعالم الرواية بسيط جداً، ومكانها هو مدينة "المنصورة"، وفي الغالب لا يوجد حدث مركزي، وانما سلسلة احداث تعتمد على الاستدعاء من الذاكرة. واوضح ان قيمة الموت مطروحة في الرواية بوصفها قيمة فاعلة. ويمكن ان نعد هذه الرواية "رواية اصوات"، فكل فصل تحكمه شخصية من الشخصيات، والرواية كما علمت من المؤلف "ابراهيم فرغلي" تجربة حقيقية عاشها. الافكار الشاردة تحدث الاديب ابراهيم فرغلي عن تجربته الادبية، فقال: كانت الكتابة عندي هي التحدي بمحاولة اماطة اللثام عن افكار شاردة ومباهج روحية والغاز عصية، وبثها في وسيط اللغة الشاحب لاضاءتها. واعتقد انني مشغول بالتواصل مع القارئ عبر لغة متقنة محكمة - كما ارجو - لكنها تبدو بسيطة، وبالتالي فان تقنيات السرد والمونتاج عندي ليست في الجملة، وانما في البناء، منتبها الى غواية السرد وتأثيرها الساحر باستمرار، لكن هذا السرد يحتاج - في نفس الوقت - الى قارئ يقظ ومنتبه وقادر على ربط، او اعادة انتاج النص. واضاف: اعتقد ان المدينة عندي هي مسرح الرواية بامتياز، لكنني اكتشفت انها امتلأت بتناقضات الريف، فأصبحت مسخاً مشوهاً، وهذه واحدة من هواجسي التي عبرت عنها في مجموعتي القصصية "اشباح الحواس" لكن هموم المدينة هي في نفس الوقت هموم كونية، وبالتالي فالمدينة ليست القاهرة فقط، وانما هي مدن عديدة، فهي باريس او مسقط او دبي او غيرها. المدينة الحلم اصبحت مثل المدينة الفاضلة، وهم خيالي يحتاج الى تخلص البشر من تشوهات اصابت الاعماق. لقد اخترت لروايتي الاولى "كهف الفراشات" مدينة هامشية هي "شرم الشيخ" التي يحاول البطل فيها ان يجد نفسه، وان يفهم ازمته في المدينة ويتأمل ذاته وماضيه قبل ان يبدأ رحلة غرائبية في اعماق كهف الفراشات الممتلئ بالعلامات والاشارات والازمنة والشخصيات الغرائبية، لكن دهاليز هذا الكهف بكل ما يحتويه ليست سوى المرايا التي يتأمل فيها الراوي انعكاس اليومي الواقعي الراهن على هواجس روحه. واضاف: اما في اخر اعمالي "ابتسامات القديسين" فقد اتخذت من مدينة صغيرة هامشية هي "المنصورة" - التي ولدت فيها وعشت جزءاً من شبابي - مسرحاً اساسياً للأحداث، وفي هذا المسرح المحدود شرعت في تأمل عشرين عاماً مضت من عمر ابطال الرواية، مذهولاً من قدرات الذاكرة البشرية في تعاملها مع الزمن، بحيث تتمكن من اختزال عمر كامل في لحظة وتستبدل به عمراً اخر في اللحظة التالية، لكن مصير ابطال الرواية تحدده قدرة كل منهم على مصارعة الزمن الذي يعد احد التجليات الاساسية في هذه الرواية. ويختتم قائلاً: ومع هذا كله، ومن منطق تناقض الواقع العربي الذي انتمي اليه، فان طيف اشباح المطلق والغيبي الحاضر بقوة في الذهنية العربية، جزء اساسي من العاب الكتابة احاول به تجسيد مفارقات هذا الواقع وما ينتجه من هواجس تشكل صوراً حديثة من صور الخيال العربي الذي تدفق على مخيلة البشرية منذ "الف ليلة وليلة" وحتى هذه اللحظة. بطء النقد اعترفت د. ثناء انس الوجود في بداية كلامها بأن الحركة النقدية مقصرة، فالادب يقفز والنقد بطيء. ثم تناولت رواية "ابتسامات القديسين" فقالت: استمتعت بقراءة هذا العمل الجيد، والذي رغم نعومته التي يبدو بها، الا ان هناك قضايا يثيرها، والرواية فيها روح الشباب، وهذا يظهر في التضمينات والاحداث المعاصرة واختيار الاغاني، وان الاصوات ليست كهلة، وانما فيها شباب الروح. وقد لفت نظري التضمينات "التناص" سواء باللغة العربية او اللغة الانجليزية. واشارت الى ان هذه الرواية من حيث مبناها تبدو رواية اصوات، لكنها رواية اصوات بمعنى خاص، لانها قائمة على اشياء مميزة، لان رواية الاصوات في الاصل تحمل طابعاً ايديولوجيا، ورواية الاصوات تتضمن في رأي البنيويين "الحكي داخل الحكي" والرواية التي امامنا ليست كذلك، لان الحكاية لا تتم بمجملها على لسان واحد، وهي ايضاً ليست مبنى حكائياً داخل مبنى حكائي بالمعنى البنيوي. واوضحت د. ثناء ان السرد قائم في الرواية على المونولوج، وان الرواة يحملون عبء السرد. واكدت ان النساء في الرواية يحكى عنهن ولا يتحدثن بانفسهن، فعلى سبيل المثال فان كريستين لا تتحدث بضمير المتكلم، وانما هناك من يتحدث عنها بضمير الغائب، فالرواية تقوم على اصوات الرجال اكثر من اصوات النساء. واشارت الى ان احداث الرواية تدور في المنصورة ثم الاسكندرية ثم دبي ثم باريس ثم اليونان ثم المنصورة، لكن مدينة المنصورة هنا ليست المدينة التي يسكنها الشعب العادي، وانما "المنصورة" الافرنجية، وهذه المدينة محفورة على ملامح الشخصيات، والمؤلف يتعامل مع المكان كما لو كان يحمل خريطة تفصيلية لكل بقعة، فقد ذكر المنصورة شارعاً شارعاً ومنزلاً منزلاً ونادياً نادياً، ولم يرض عن المنصورة بديلاً حتى عندما ذهب الى الاسكندريةودبي واليونان. والملاحظ ان كل الشخصيات باءت بالفشل لاسباب مختلفة، على عكس ما يحمله تاريخ موقع الاحداث "المنصورة" من بطولات وانتصارات. واكدت د. ثناء ان الزمن الروائي الذي لعب عليه الكاتب شديد التشظي، يخترق الاشياء بشكل غير مرتب يتناسب مع المتاعب النفسية التي تتعرض لها الشخصيات، ويوجد احياناً في الرواية استشراف للمستقبل. واشارت الى ان في الرواية شخصية ميتة هي "عماد" الذي كان مريضاً بالفوبيا، حيث يخاف من كثير من الاشياء، ومنها الاماكن المغلقة، والغريب انه كان على وعي بمرضه، واعترف بانه ذهب الى الكثير من الاطباء، كما كان مريضاً بأمراض جسيمة مثل القلب والالتهاب الرئوي، وقد مات صريع امراضه. ويأيتنا صوت عماد ليتخلص من عقدة الخوف التي كانت تلازمه. وهناك شخصية نادية، النصف الذي يكمل شخصية اخيها رامي، وعقلها مثل الشاشة التي ترسل وتستقبل، وتعرض عليها افكار رامي، ففي اللحظات التي يفكر فيها رامي تفكر مثله، وفي لحظات ابتعادها عن اخيها تصير شاردة. قصدية البناء اشار الروائي فتحي امبابي الى ان المؤلف بنى عالماً يقصده وعندما يضع المؤلف في ذهنه ان يبني عالماً ففي هذه الحالة تتحقق قصيدة البناء. واوضح امبابي ان شخصية عماد الميت الذي يعود الى الحياة، فيها خروج عن النمط التقليدي للكتابة، حيث خلف المؤلف نوعاً من الجدة والدهشة في بناء العمل. ومن الاشياء الكبيرة في حياة البشر التي ركز عليها المؤلف فكرة "الخوف" وهذا ما يتضح في شخصية "عماد" وقد اعطى المؤلف مبررات لهذا الخوف، فهو شخص حبيس البيت حتى سن 10 سنوات لحرص امه على عدم خروجه من البيت، حتى يخرج في العاشرة من عمره يصطدم بالواقع، وهذا الخوف لم يكن خوفاً شخصياً، وانما خوف انساني يعبر عن فئة واسعة من البشر. واكد امبابي ان كل الاشياء التي وردت في الرواية قد تكون يقينية او غير يقينية، الا في عالم ما بعد الموت، حيث كل شيء يقيني، وهو ما نجده في شخصية عماد. واشار الى ان لغة الرواية شديدة الخصوبة.