تحولات كبيرة غيرت مشهد الجنود الأمريكيين في العراق بين عامين، ففي صيف العام الماضي كان الجنود يتجمعون قرب محلات المرطبات ويقضون ساعات طويلة في تناول ما لذ وطاب منها، يتحدثون مع الأطفال ومع الفتيان الذين غالبا ما تكون هذه المحلات مقرات تجمعهم، كان مشهدهم في شوارع بغداد وهم يوقفون عرباتهم ومدرعاتهم للتمتع بالبرودة وخوض الأحاديث العابرة مع الواقفين هناك، يتجرعون علب البيبسي، والمياه المعدنية المبردة، ويلتقطون الصور التي يرسلونها الى ذويهم ويسمعون الموسيقى، ويشترون قوالب الثلج المصنع ليأخذوه الى معسكراتهم لتخفيف وطأة الصيف العراقي الحار. لكن العكس حدث في صيف هذا العام، فلم يعد باستطاعة هؤلاء الجنود الوقوف كما كانوا، فعمليات المقاومة أجبرتهم على الحيطة والحذر في كل شارع يمرون به خوفا من انفجار ناسف أو سيارة مفخخة، أو التعرض لهجوم بقذائف الا ر بي جي.. لم يعد هناك من يرغب بالتحدث إليهم، بل إن الحديث معهم اصبح عارا، وربما عرض المتحدث للعقاب والموت دون أن يعرف من أية جهة تأتيه الرصاصة، كما هو الحال بالنسبة لما يحدث لمئات المترجمين الذي يعملون مع القوات الأمريكية ويلقون مصارعهم يوميا في بغداد ومدن عراقية أخرى. الدبابات والمدرعات والعربات العسكرية لم تعد تسير ببطء كما كانت بل هي الآن تسير في أقصى ما تمتلكه من قوة وسرعة خوفا من هجوم مباغت يأتيها من ذات اليمين أو ذات الشمال، وبينما كان بعض الجنود الأمريكيين يقضون أوقاتهم في لعب مباراة الكرة في أحياء بغداد، لم يعد يراهم أحد إلا مدججين بالسلاح وهم يرتدون خوذهم في قيظ الصيف العراقي التي تصل درجات حرارته هذه الأيام الى اكثر من خمسين ويلبسون القمصان المدرعة ضد الرصاص، بينما يتصببون عرقا في دباباتهم التي تمر كالبرق في الشوارع، دون أن تعير أي اهتمام للسيارات أو الأجساد العراقية التي تدهسها وتتركها في عرض الطريق تنزف آخر ما يتبقى من دمائها، بلا توقف لبضع دقائق لمعرفة عدد الضحايا، كما حدث قبل أيام حين دهست دبابة أمريكية سيارة عراقية فقتلت تسعة أشخاص وأصابت عشرة آخرين كانوا في زفة عرس بين بغداد ومنطقة الطارمية، ومثل هذه الحوادث تتكرر يوميا. الصيف القائظ الذي يتسبب في معاناة العراقيين مع انقطاع الكهرباء لاكثر من 5ا ساعة يوميا، يقاوم الاحتلال بطريقته الخاصة، فمشهد الصيف هذا العام ليس كالصيف الماضي فلم تعد هناك مرطبات في الشوارع او التقاط صور، بل اصبح كل ذلك يجري وسط معسكرات مسورة بالأسلاك الشائكة والحواجز، حيث تجلب لهم أطعمتهم وشرابهم الى هناك بين جدران عالية أربع، وفيما يرى البعض ان المقاومة نجحت في إغلاق المجتمع العراقي وغلق أبوابه بوجه الجنود، فان هؤلاء الجنود وإزاء هذا الحال يحلمون أن تنقضي الساعات والأيام للخروج من هذا المستنقع الذي سقطوا فيه، بلا نهاية مرتقبة، ولم يحصدوا منه سوى العذاب الذي لا يعوضه النفط العراقي، أو أسلحة الدمار الشامل التي لم يعثر على إبرة منها حتى الآن.