فرح العيد العراقي هذا العام تدهسه جنازير دبابات الاحتلال الأمريكي ومداهماتها العشوائية والخوف منها وتفجيرات المقاومة المفخخة التي لا يعرف أحد اين ومتى تقع. ملامح الفرح توارت خلف أزمات قلة الوقود وانقطاع الكهرباء في الشوارع التي تزرعها العبوات الناسفة، والتي تسرق الفرح من الأسواق التي كانت في الأعوام السابقة عامرة بروادها مع موسم العيد. ففي هذا العام يمضي العراقيون أول عيد لهم في تاريخ بلادهم الحديث تحت الاحتلال بعد 82 عاما من الاستقلال والحكومة الوطنية الشرعية. وفي اجواء يلفها الحزن في عيون الاطفال والامهات والارامل على من فقد وعذب وقتل في عهد صدام ومن لقي حتفه تحت قصف الغزاة الامريكيين والبريطانيين وما تلاها من قتل وسلب ونهب، فان العيد الذي يطرق أبواب العراقيين اليوم سيجدهم يسألونه بأية حال عدت.. فالمداهمات والاعتقالات مستمرة والقوات الامريكية يدها على الزناد تطلق النار عشوائيا على كل شيء ويذهب ضحيتها الكثير من العراقيين بينما تعتقل القوات الأمريكية آلافا آخرين منهم بلغ عددهم وفق آخر الإحصائيات 11 الف معتقل عراقي. (اليوم) تجولت في بغداد لتقرأ ملامح استقبال العراقيين للعيد ..أول ملامح غياب فرح العيد ظهرت في الأسواق، فأسواق العراق التي كانت كما اعتادت ان تضج بالمتسوقين قبل العيد شبه فارغة هذا العام. الشعب كله يعيش حالة بطالة مفروضة عليه حيث يأتي العيد ومعظم العراقيين فقدوا وظائفهم والاسعار مع عنان السماء . فلم يجد الكثير من العراقيين سببا للذهاب الى الأسواق ليحرجوا انفسهم او يعذبوا اطفالهم برؤية ما لا يستطيعون شراءه لهم. احد التجار قال ل(اليوم) (الأسواق شبه خالية والمشترون قليلون ويبدو ان الوضع المعيشي اصبح صعبا فهناك الكثير من العاطلين الذين لم يجدوا فرصة للتسوق ويضيف في الأعوام السابقة كانت ليالي شهر رمضان الأخيرة تحمل مشاهد نادرة عن الأيام الاخرى فالأسواق تبقى حتى ساعات متأخرة من الليل او ربما حتى الفجر لكي يتمكن الناس من شراء ما يحتاجونه للعيد اما الآن فالأسواق تغلق أبوابها منذ الساعة الخامسة عصرا، إذ لا كهرباء تنير الشوارع ولا أحد يتمكن من حمل بضعة آلاف من الدنانير لكي يغامر ويخرج في الليل ويتجول في السوق الجميع خائفون، هناك عصابات تنشط في مثل هذه الأيام وتقتنص الفرص لذلك فان افضل شيء هو الخروج صباحا فالليل الذي يحمل مزايا الفرح والاضوية في العيد غادرنا هذا العام واصبح عيدنا لبضع ساعات في النهار وفرحنا استبدلناه بالخوف. وغير هذا الخوف فان شدة الزحامات المرورية وقلة الوقود ونقص الكهرباء ورؤية جنود الاحتلال الذين لم يعد يطيقهم احد ينغص الكثير من الشعور بان ما يمر به العراقيون هو موسم فرح كما هو في كل عام. وهذا الوضع سيدفع الكثير من العراقيين الى إسقاط مشروع زيارة الأقارب او الأصدقاء من اجندتهم التي كانوا قبل ذلك يخططون لها ويضعون المواعيد لاتمام مثل هذه الزيارات التي تحمل نكهة خاصة في أيام العيد . عن ذلك يقول ل(اليوم ) سلام عبدالمجيد (سائق تاكسي).. ان الأجرة ستكون عالية جدا، فالبنزين غير متوفر ونحن نقضي ساعات للحصول عليه بسبب الأزمة، لذلك سنرفع الأجور لأننا نشتري البنزين من السوق السوداء بعشرة أضعاف ولا بد ان تكون الأجرة مرتفعة لتعويض الخسارة .اذن .. أزمة الوقود هي ايضا تتضافر مع غيرها من الازمات لتقضي على فرح العيد. باسم الدليمي سائق تاكسي آخر (نعم ..نحن نشتري الوقود بعشرة أضعاف، أظن ان أصحاب السيارات يعانون مثلنا، الأجرة ترتفع في العيد وخروج العائلة من البيت في التاكسي قد يكلفهم مبالغ كبيرة أظن أننا نواجه ظرفا صعبا في العيد، سيمنع الكثير من مغادرة منازلهم لزيارة الأقارب والأصدقاء، فحتى الذين يملكون سيارات خاصة سيعانون من هذه الأزمة تصور ان ملء خزان السيارة بالكامل من السوق السوداء يكلف عشرين الف دينار أي عشرة دولارات ليصرفها في اليوم الواحد عدا ما تتطلبه فسحة العيد من مصاريف أخرى، من يملك عشرة دولارات واكثر والناس عاطل عن العمل).= ولكن الأطفال الذين يقضون عامهم بانتظار هذا اليوم كانوا في السابق وقبل الاحتلال صورة الفرح في العيد وهم يخرجون للمتنزهات والحدائق العامة ومدن الألعاب، ولكن هذا العام منعهم أهلوهم من ممارسة هذا الفرح البريء خوفا عليهم من الدبابات الأمريكية والعربات التي تجوب الشوارع والرمي العشوائي للرصاص والالغام المتفجرة بعد أية عملية تستهدف هذه القوات، كما يخاف الأهالي على أطفالهم من السيارات المفخخة وهم يتحدثون عن احتمال تصاعد العمليات في العيد ردا على الحملات التي قامت بها القوات الأمريكية في الأحياء السكنية بحثا عن عناصر المقاومة والتي استخدمت فيها الطائرات الحربية والصواريخ الموجهة في أسلوب جديد اصبح اكثر إيذاء وإيلاما للعراقيين وهم يرون بيوت أقاربهم او أصدقائهم وقد هدمها القصف . عن هذا يقول سامر فتح الله مدرس جامعي ( لقد اخترنا أنا وعائلتي البقاء في البيت طيلة مدة العيد، نحن نخاف الخروج، قد تحدث تفجيرات أو ضرب ارتال عسكرية أمريكية فيصيبنا رصاص الجنود الأمريكان الطائش، لقد قررنا مشاهدة التلفزيون وانتظار من يأتي من الأقارب والأصدقاء، وادخار ما يمكن صرفه خارج المنزل لشراء حاجات مهمة، الأسعار غالية جدا، وليس لدينا المال الكافي، الستلايت يعوضنا بعض الفرح، وأولادي مقتنعون بهذه الفكرة). العراقيون وأمام هذا الوضع لا يملكون الا ان يرددوا بيت الشاعر المتنبي الشهير "عيد بأية حال عدت يا عيد" فالعيد عندهم لم يعد أياما استثنائية في حياتهم ما دام كل شيء في بلادهم اصبح استثنائيا ومخيفا حتى الخروج من المنازل.