يستحضر هذا المقال عنوانه من الندوة التي عقدها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالتعاون مع مركز تشاثام هاوس، لندن بعنوان "المملكة العربية السعودية في شرق أوسط مضطرب" بمدينة الرياض الثلاثاء الماضي الموافق 14 يناير 2014 التي كانت بحضور الأمير تركي الفيصل بن عبدالعزيز آل سعود رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، والأستاذ دكتور يحيى بن جنيد الأمين العام لمركز الملك فيصل. ركزت الورقة الأخيرة على مستقبل أفغانستان خاصة بعد إعلان أوباما الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكيةوقد تشرفت بالمشاركة في هذه الندوة والاستفادة من بعض الاوراق والمداخلات التي طرحها المشاركون. ولمن لا يعرف معهد الشاثام هوس، فهو أحد أهم المراكز البحثية المهتمة بالقضايا السياسية في العالم، وتغطي اهماماته معظم أصقاع العالم. ومن متابعاتي لمحاضراتهم وندواتهم لما كنت في بريطانيا كان معظمها يمتاز بالعمق والجرأة، إلا أن واحدا من أهم البرامج التابعة له هو "برنامج دراسات الشرق الأوسط" التي تنجز أبحاثه بالتعاون والتنسيق مع كل المهتمين بقضايا الشرق الأوسط، ابتداء بالصحفيين المتابعين وانتهاء بالسياسيين الممارسين. ومعهد "الشاثام هاوس" المعروف رسميا باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية على غرار مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، وتأتي تسمية «شاثام هاوس» بعد حصوله عن مقره المتميز في «جيميس سكوير» وسط لندن الذي كان مقرا لسكن ثلاثة من رؤساء وزراء بريطانيا. ولأهمية هذا المبنى بدأت تغلب تسميته على تسمية المركز الرسمية، ولأن الندوة -التي عقدت في مركز الملك فيصل- عقدت في اطار قاعدة تشاثام هاوس التي تنص "ان المشاركين أحرار في استخدام المعلومات التي يحصلون عليها، لكن لا يجب كشف هوية أو انتماء المتحدثين أو أي شخص آخر من المشاركين". وبالتالي التزاما مني سوف أكتفي بالمحاور وفكرة الأوراق دون كشف هوية المتحدثين نزولا عند قاعدة تشاثام هاوس. قبل بدء الندوة، التقيت بأحد الباحثين في معهد تشاثام هاوس وهو أحد المتحدثين في الندوة عن الصراع في سوريا. دار الحديث بيننا عن الصراع الدامي في سوريا واتفاق جنيف2 وامكانية التوصل الى تسوية سياسية. وقلت: إن مؤتمر جنيف أو غيره من المؤتمرات لن يصل الى تسوية حقيقية إلا اذا تم التوصل الى وقف حقيقي لإطلاق النار، ووقف التدخل الايراني في الأزمة السورية، التوافق الامريكي- الروسي حول ملفات الشرق الأوسط ومنها الأزمة السورية، وأخيرا توحيد المعارضة السورية. أما غير ذلك فإن الأزمة سوف تطول وتتعقد -وهو ما تعرضت له بالتفصيل في مقالي السابق- ثم تفاجأت بأن الباحث حاصل على الدكتوراة من جامعة "درهام" وهي نفس الجامعة التي تخرجت فيها وتحت اشراف نفس المشرف البروفسور احتشامي، فطال الحديث بيننا حول الجامعة وذكريات درم وتواعدنا على التواصل لاحقا. قدمت الندوة تسعة أبحاث رئيسة موزعة على ثلاثة محاور رئيسة، المحور الأول: منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. ألقيت ثلاث أوراق كانت الأولى ورقة شاملة من أحد الباحثين في "تشاثام هاوس" ولديها خبرة طويلة في مجال أبحاث أسلحة الدمار الشامل. وكانت الورقة عن آفاق وجود منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط والآثار المترتبة على قضية الأسلحة الكيماوية في سوريا. ثم تحدث أحد المتخصصين في العلاقات الدولية ومستشار بمركز الملك فيصل، ومدير سابق لإدارة البحوث والدراسات بالمركز عن القضايا النووية في الشرق الأوسط من وجهة نظر سعودية، ولم يفت الباحث الحديث عن ايران وسعيها لامتلاك السلاح النووي. كان طرحه عميقا، لكنه غير متفائل كثيرا بقدرة الوصول الى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. بعكس ورقة الزميل المشارك في معهد "تشاثام هاوس" التي تحدث فيها عن السياسة الايرانية الاقليمية وكان من المتفائلين بالتفاهمات الإيرانية-الأمريكية الاخيرة، وان استجابة إيران للمطالبات الدولية بإخضاع برنامجها النووي للمراقبة والتفتيش من شأنها ان تعزز الأمن والاستقرار في المنطقة بعد عقود من التوترات والحروب التي شهدتها خلال العقود الماضية. وألمح الى أن الولاياتالمتحدة لن تتخلى -في إطار تفاهماتها الجديدة مع إيران- عن حلفائها الخليجيين الاستراتيجيين. شهدت هذه الورقة الكثير من التعليقات والمداخلات التي أثرت الموضوع وأعطته بعدا آخر. أما المحور الثاني: فكان عن الصراع في سوريا، حيث قدمت ورقة تتحدث عن الرواية الأكثر شمولية وثراءً لظاهرة المقاتلين الأجانب الذين ينخرطون فى الصراع الذى تشهده البلاد منذ أكثر من عامين ونصف العام الذين يتراوح عددهم بين 10 و15 الف مقاتل من لبنان والعراق وغيرها من الدول بهدف إحداث المزيد من الفوضى. وقد كرس المحور الأخير من الندوة، لمناقشة العلاقات الدولية الجديدة في الشرق الأوسط، حيث جرت مناقشة أمن الخليج في ظل هذه التحولات الخطيرة التي تعصف بالمنطقة العربية بعد ما عرف ب «الربيع العربي»، حيث يعاد تشكيل الخارطة الجيوسياسية للمنطقة العربية وما يترتب عليها من إعادة بناء المحاور والتحالفات العربية بصيغة جديدة. كما جرت مناقشة آفاق عملية السلام الاسرائيلية الفلسطينية المتعثرة التي تقودها الولاياتالمتحدة والآثار الاقليمية المترتبة عليها. كما ركزت الورقة الأخيرة على مستقبل أفغانستان خاصة بعد إعلان أوباما الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية من أفغانستان مع نهاية 2014 وتحويل قيادة العمليات العسكرية إلى القوات الأمنية الأفغانية. وتهدف الإدارة الأمريكية من هذا الانسحاب -حسب الورقة- الى تحويل الحرب من قتال حركة طالبان على يد القوات الأمريكية إلى أيدي الجيش الوطني الأفغاني بحلول عام 2014. إلا أن هذا الانسحاب -كما يرى كثير من المحللين- يمكن أن يكرر سيناريو الانسحاب السوفيتي عام 1989. فحينما توصلت القيادة السياسية في الاتحاد السوفييتي إلى استنتاج بتحويل الحرب إلى معركة أفغانية داخلية وتسليم السلطة إلى نجيب الله أدى ذلك إلى تفجر الوضع وإدخال البلاد في حرب أهلية استمرت الىى جاءت حركة طالبان في 1996، لتفرض نفوذها على معظم البلاد. ولا يسعني في الأخير إلا ان أشكر مركز الملك فيصل الذي سيظل -بحكم سلطته المعرفية وتاريخه العريق- موقعا هاما في الوسطين الأكاديمي والسياسي من خلال عقده مثل هذه الندوات والمحاضرات ما قد يساهم إيجابا في تعميق فهم صناع القرار والمسؤولين والمهتمين لما يجري من أحداث وتطورات. [email protected]