في المحاضرة التي ألقاها الكاتب والمخرج المسرحي خالد الرويعي بجمعية الثقافة والفنون بالدمام تألق التجريب كمادة للمحاضرة، وأصبح محوراً لكثير من الحوارات والتساؤلات التي قدمها المشاركون والمداخلون على السواء. ففي البداية تحدث الرويعي عن تجربته في مسرح الصواري قائلا:ً لا أستطيع أن أراها (التجربة) دون التعرض لتجربتي مع مكان العرض، لأني ببساطة أشك في كل شيء.. في نفس المكان الذي سيحوي العرض، أشك بمعنى أنه لن يخدم التجربة فنياً وصولاً بالمعنى، معللاً ذلك بقوله ربما لأنني أريد أن يكون لكل شيء سبب ما، ويضيف: هذا بالضبط على عكس تعاملي مع الحركة أحياناً. حضور الممثل وعن حضور الممثل في تجربته قال الرويعي إنه يمثل احدى الركائز الرئيسية التي أهتم بها فهو ليس ممثلاً فحسب، بل هو جزء من المكان الذي ينتمي له نفس العرض، مؤكداً ان الممثل بنسبة ليست بسيطة يمنحني المخيلة في حين، وفي حين آخر يمنحني المعنى، في إشارة إلى سطوة الممثل في الآونة الأخيرة واعتماد المخرج عليه بدرجة كبيرة. ويضيف الرويعي في معرض حديثه عن الممثل قائلاً: أحاول دائماً أن لا أقدم الجاهز أولاً.. أريد أن أرى ماذا لدى الممثل، وحضوره في المكان الذي ينهش المخيلة، وبذلك أعرف إن كانت تلك المخيلة قادرة على تجاوزي لتنتقل إلى من معي من العاملين (الممثل بدرجة كبيرة). كولاج النص وتحدث عن تجربته الأولى بقوله (تلك الصغيرة التي تشبهك هي التجربة الأولى لي على صعيد النص - كما الإخراج - كان حضورها المكاني قوياً وحاولت الاصرار على تنفيذ ما يعتمل في مخيلتي.. أريد أن أرى دون وضع تنازلات تتعلق بالإنتاج.. ويضيف: أجدني الآن وأنا أراقب تلك التجربة بأنها كانت مهمة، حيث انها وضعتني على حافة الأسئلة التي يمليها علي الممثل والمكان فضلاً عن النص الذي أكتبه. السعداوي مهيمناً وتحدث عن السعداوي بقوله إن حضوره في تجربتي الإخراجية قوي بحكم علاقتنا اليومية المستمرة، فهو بقدر ما كان مخرجاً إلا أنه كان معلماً أيضاً، فهو لا ينحت لك الطريق إنما يذلله إن أمكن.. يجيب عن أسئلتك من خلال جسدك ومخيلتك وطبيعة قراءتك النص. ويعود للحديث عن تجربته بقوله الكولاج في تجربة الصغيرة التي تشبهك والبرزخ وخاتون هي التي رأت وغيرها كان يعني لحظة الكتابة أن الفكرة فقط هي الموجودة آن كتابة النص.. في الكولاج تذهب وحيداً، ووحدها الفكرة أو وليداتها هي من ستأخذك إلى ما لم يكن في الحسبان.. البرزخ كان أيضاً نص عرض ولكنه أتاح لمخرجين من الشباب أن يتعاملوا معه. تجربة مغايرة ويواصل الحديث عن تجربته مع المرأة ويقول بعد كل ذلك وجدت نفسي ألهو مع ثلاث بنات أنا رابعهن في تجربة جديدة ومغايرة على مستوى النص بالدرجة الأولى، وفي فهم طبيعة عمل الكتابة الجماعية، وهذه المرة مع موضوع شائك يتطلب جهداً وصبراً في كسر الحواجز والفواصل التي خلقتها لنا المجتمعات في طبيعة التحاور مع المرأة. إنك بذلك تحتاج لأن تبتكر الوسيلة والطريقة التي ستذهب بها أولاً لمحاورة هؤلاء الفتيات.. وربما في حين ستتقمص جنس الأنثى لتجاري اللعبة التي يلعبها أربعة أشخاص.. كانت بروفات العرض أشبه بجلسات مصارحة حافظنا فيها على قدر الإمكان بخصوصيتنا كمجموعة أنت لست مخرجاً أو كاتباً فقط. إنك أخ في حين ومعلم في حين آخر. التأليف الجماعي وبهذه التجربة التي فتحت عيني على تجربة التأليف الجماعي التي كنا نسمع عنها ولا نعرف أبوابها، راقت لي الفكرة لنبدأ بتأليف جماعي لمسرحية (ليل الكائن) والتي واجهت ربما فيها مع المجموعة صعوبة المفاتيح الأولى للكتابة، ثلاث بنات حريم كانت تجربة مختلفة، كيف ستطبق الاستراتيجية في هذا العمل الذي لم يكتمل.. ساهمت المجموعة المكونة من 7 أشخاص أنا ثامنهم في الكتابة استناداً على وثيقة تحوي عرض دراسة حالة لمريض نفسي.. لكن الاختلاف الذي وجدته بين هذه التجربة وتجربة ثلاث بنات حريم إن ثلاث بنات حريم كانت تنطلق من الخاص لتكون عالما آخر قائماً بذاته، على عكس ليل الكائن الذي ينطلق من وثيقة باعتبارها عالماً ستتداولها المجموعة لتكون عالماً آخر.. وباشتراك ظروف أخرى غير إشكالية هذه الكتابة الجماعية. من الذي يحدد معنى التجريب؟ ويختتم الرويعي محاضرته بالحديث عن التجريب متسائلاً: ما التجريب؟ ويقول سؤال شائك بحجم الكلمة ملتبس للغاية ومراوغ. مفهوم له خصوصيته المكانية كما أنه في نفس الوقت له عموميته، باستطاعة أي واقع مسرحي أن يتعامل مع مفهوم التجريب باعتباره مفهوماً حداثياً، ولكن في ضفاف واقع آخر يبدو أنه ما بعد حداثي، ولذلك هو ملتبس أو حمال أوجه باستطاعة العديد أن يروه كيفما شاءوا.. ولكن هل فعلاً أن ما نقدمه تجريب؟ هل فعلاً ما قدمه جرتوفسكي تجريب؟ وهذا سؤال لا يبحث عن إجابة ولكنه يحاول أن يفتح أسئلة أخرى. ويضيف الرويعي إن الحركات الطليعية في المسرح عالمياً لم تستطع حتى الآن الخروج من سؤال التجريب، كما خرجت الحركات الطليعية سابقاً من بردة الكلاسيكية مثلاً، أو التمرد على شكل المسرح الترفيهي وصولاً بالتمرد على شكل العلبة الإيطالية.. ودعونا نسأل في خبث: هل مسرح الشارع يعد من الحركات التجريبية؟ هل مسرح الأكروبات يعد من الحركات التجريبية؟ مسارح الطقوس والعادات المجتمعية الأخرى هل يعد تجريباً؟ متى يحق لنا أن نسمي هذا العرض تجريبياً؟ ترى أين يكمن فعل التجريب في المسرح؟ الأسئلة.. اللغم وبهذه الأسئلة التي أثارها الرويعي في نهاية محاضرته كأنما ألقى لغماً كبيراً وسط حشد من المهتمين والمتابعين.. بينهم قلة يعرفون التجريب لأول مرة، أو ربما اعتبروه مفهوماً ملتبساً كما بين المحاضر.. وذهب بعضهم للاعتقاد أن الممثل نفسه ربما لا يعي معنى التجريب الذي يريده المؤلف أو المخرج، فمن الذي كان صادقاً؟ السعداوي سارداً.. (الطفل) فضل عبد الله السعداوي المتحدث الثاني أن يتحدث عن تجربته سردياً، مبتدئاً بقوله في عام 1948م: ولد الطفل وانفصل عن العائلة ، فأصبح لا يعرف أي شيء.. كان سعيداً بتلك الكينونة في بقعة لا يريد الخروج منها. ويضيف، فجأة ومع الأيام، عرف أن هناك وجها يقابله، ربما هو شخص آخر لا يعرفه، تغير هذا الطفل.. يقول عندما تغيب عنك الوجوه تكون ذاهباً ضد الذاكرة وعليك أن تتفنن في التلاؤم معها.. كان هذا الوجه يحفزه دائماً ويجعله على أهبة الاستعداد لبداية العبث. بداية الخربشة بدأ الطفل يخربش.. وتحول من ساكن إلى متحرك.. اكتشف أن هناك شيئاً ما يربط بين التجريب والتخريب. تخريب داخل النفس، ذلك التخريب الجميل.. التخريب الإيجابي الذي يبعث داخل النفس البهجة وحب الاستطلاع.. التجريب هو البحث الدائم. ويواصل السعداوي سرده قائلاً: اكتشف الطفل أن أهله يأتون له بلعبة، يلعب بالدمية ثم يبكي، لأن لعبته انكسرت، بينما هناك طفل آخر يخرب اللعبة عامداً ليصنع منها لعبة أخرى، ذلك هو التخريب - التجريب. وأكد السعداوي أن التجريبي قلق دائماً، لا يستقر على حال، ودائماً ضد نفسه لأنه غير راض عنه، ويسعى لتغيير جلده، وهمه الخروج عن المسلّمات.. بدأ الطفل يخربش هذه الحقائق ويعبث بها.. وبدأت التحولات من حقيقة لأخرى، ومن مسلمة لأخرى، لا يهدأ وإنما يعبث بكل شيء.. مع الخربشة بدأ البحث عن الملامح، ولكي لا يكون داخل الذات والوطن، يبحث عن شيء أكبر من كل المسميات التي كانت جاهزة أمامه، لم يجد مكاناً إلا المسرح.. اكتشف أن هناك وجها يرسمه ويعمل على الجسد إيماءاته وحركاته، فبدأ يتعامل مع الجسد، وهو المغيب، فليس هناك إرث لهذا الجسد، فبدأ ينحت من عنده أفكاراً ورؤى، فكانت مسرحية الرجال والبحر.. يعمل على هذا الجسد ولكن بأسلوب آخر.. أسلوب يعتمد اعتماداً كبيراً على توظيف الممثل الإنسان، لأنه يمثل الحاجز المهم في العملية المسرحية. بدأ ينحت مرة أخرى فجاءت مسرحية (الصديقان).. ثم بدأ يعمل علاقة مع المكان، وبدأ يوجد رؤية بصرية (سينوقرافيا) .. السعداوي الرجل يسكت الطفل ليتحدث الرجل - السعداوي - وهكذا بدأت العمل مع مجموعة من الشباب الذين التفوا حول التجربة.. لم نطلق عليها في ذلك الوقت مسرحاً تجريبياً، فالذي أبرزه إبراهيم خلفان كنا نعمل به ولكننا لم نكن نعرف أنه تجريب.. كانت الأجساد أمامي، وكنت أرغب في توصيل القلق الذي احتوشني إليها لكي تشعر معي بنفس القلق والشك والحيرة، وأشار في سياق الحديث إلى أن هناك كتابا ومسرحيين حولوا التجارب والمسرحيات العادية إلى أعمال تجريبية تستحق الإشادة لأنهم يمتلكون الإمكانيات لتحويل النص، فما من رؤية نهائية وكاملة، فلا النص يمتلك ذلك ولا المخرج ولا الكاتب.. الرؤية النهائية تعني انعدام التجريب. وحين قاطعه مدير الأمسية الكاتب المسرحي عباس الحايك متسائلا:ً هل يشترط الكولاج للتجريب، وقال إن السعداوي يميل إلى نصوص الورشة. الكولاج ليس شرطاً تجريبياً وأجاب السعداوي بأنه لا يميل دائماً إلى نصوص الورشة، وقال كثيراً ما كنت أستفيد من النصوص الروائية أو نصوص لا علاقة لها بالمسرح خصوصاً في تجربتي الأخيرة (ابني المتعصب) المأخوذة بالكامل من ندوات حقيقية حول تربية الأطفال. ونفى من جهة أخرى أن يكون الكولاج شرطاً للمسرح التجريبي، فبالإمكان أن يعمل على التجريب دون الكولاج. الممثل وإعادة النص أما خالد الرويعي فقال إن النص وسيط عصري، وليس مهماً طريقة الاشتغال على النص لأنه ينبع من التجربة نفسها بحيث نتمكن من إنتاج نص جديد يخاطب الإنسان الحالي والعصر الذي نعيشه. فالطقوس الدينية مثلاً يمكن الاشتغال على نصوصها، فالنص إذاً ليس مشكلة.. المهم هو كيف تشتغل عليه، مؤكداً أن دور الممثل بالغ الأهمية بالنسبة للنص حيث يجب أن يكون متمثلاً في ذهنيتهم، من هنا يجب إعادة النص، تشكيله في أجسادهم ومخيلتهم. وثنية المصطلح محمد العباس كانت له مداخلة لخص فيها ما جاء به الضيفان وقال نحن بحاجة إلى تفكيك وثنية المصطلح (التجريب) فمثلاً أمين صالح كانت له مقالة عن التجريب بما فيه من سادية على الممثل.. كما أن هناك عدة قراءات للتجريب فكتابات شكسبير هناك من قرأها على أنها طبقية وهناك من قرأها على أنها يسارية، وهكذا تتعدد القراءات. وتساءل العباس إلى أي مدى يستطيع الكاتب والمخرج أن يتصرف في النص مجيباً إنه حسب التجربة المسرحية في البحرين التي أتابعها.. هناك سهولة في التعاطي مع النصوص الأجنبية، مؤكداً عندما نستدعي نصاً من أفق آخر نكون بحاجة إلى تكامل في الإعداد من جميع الجوانب (البيئة - الشخصيات - المكان...) بحيث لا تأخذنا لذة النص وقابليته للتجريب أن ننسى هذه الخواص. موجهاً خطابة إلى السعداوي أضاف العباس: النص يتحول من حداثي إلى ما بعد حداثي.. هناك ما يسمى بالمعنى المؤجل في النص (حسب دريدا) وهو موجود في النصوص التاريخية والدينية فإلى أي مدى استفاد المخرج والمؤلف من ذلك؟ المواءمة بين المحلي والعالمي وقال السعداوي: لا بد من ربط النص بالموروث عبر تدخل بسيط وتغيير طفيف في النص، مؤكداً ان هذا هو ما يقوم به، فالكمامة مثلاً وهو نص مكسيكي يتحدث عن سيطرة الأب على الأسرة وهو موضوع مناسب لبيئتنا، ولكن عندما اشتغلت على النص وجدته فجأة ينقلب إلى نص تجريبي، إذ لا يمكن عمل مسرحين في آن واحد (في إشارة إلى التجريبي والعادي) ومع ذلك تمكنا من تحويله إلى نص محلي. وأضاف السعداوي قائلاً في القاهرة: عندما ذهبنا لمهرجان المسرح التجريبي حاولنا أن نعرض المسرحية من باب النص المؤجل فقد تخلصنا من كل شيء في النص ووضعنا أشياء جديدة وكنا نرغب في عرض المسرحية من ثلاث زوايا من خلال ثلاثة أماكن إلا أننا لم نتمكن من ذلك. بين التجريب والتخريب وتحدث القاص فهد المصبح عن التجريب والتخريب وقال أسعدني هذا المصطلح وكنت أتمنى أن يعتمد بدلا من التجريب الذي قد يعني خط الرجعة، فبإمكان المخرج أو الكاتب أن يتراجع عن تجربته إذا فشلت أما التخريب فربما يعني الاستمرار. وتساءل المصبح عن تقييم الضيفين لتجربة المسرح السعودي.. عن تجربة المسرح السعودي قال السعداوي: تابعت أغلب العروض ويبدو أن هناك تطوراً ملحوظاً خاصة في مهرجان المسرح التجريبي، مؤكداً ان جهود المسرح السعودي واضحة وربما تعد تجربة أنضج من تجربتنا في البحرين، ولكن المسرح السعودي بحاجة إلى دعم كبير لأن هناك معاناة كبيرة. وتساءل عبد العزيز السماعيل رئيس الجمعية عن دور الجمهور في المسرح التجريبي وهل يضع المخرج في الحسبان دور الجمهور في العرض المسرحي، أم أنه مهمش؟ خالد الرويعي قال إن أذواق الجمهور ومستوياتهم متفاوتة، فأحياناً كثيرة لا تستطيع إطلاق أحكام معينة لأن المسرح لدينا لم يستوف شروطه من الناحية الإعلانية والإعلامية، إذ أن بعض المسرحيات لا يعرف عنها أحد فكيف نتحدث عن جمهور عددي في هذه الحالة؟ كما أننا عرضنا مسرحيات كان الحضور فيها مكثفاً وفي عروض أخرى لا نجد هناك متفرجين، فالمسألة نسبية وعلينا أن نحل معضلة استيفاء شروط المسرح، ثم نتحدث عن الجمهور. واختتم مدير الأمسية عباس الحايك اللقاء من خلال تحدثه عن التجريب باعتباره مثيراً للأسئلة الدائمة وإثارة الحوار، مرحباً بالضيفين وشاكراً لهم حضورهم وإثراءهم موضوعت يعتبر من أهم المواضيع في عالم المسرح. السعداوي جانب من الحضور