عندما ظهر التجريب في نهاية القرن ال19 كاتجاه مسرحي وليس مدرسة مسرحية، كما يعتقد بعضهم، كان يهدف إلى كسر وهدم التقليدية في المسرح والإتيان بكل ما هو جديد ومبتكر سواء على مستوى كتابة النص أو في الإخراج أو التمثيل أو التقنية من خلال الإضاءة والموسيقى والديكور والأزياء والسينوغرافيا بشكل عام. وتعد الكثير من التجارب المسرحية العربية بشكل عام استنساخا لتجارب مسرحية عالمية من دون وجود ما هو جديد ومخترع. ولعل ما يميز مفهوم التجريب في المسرح أنه مفتوح بحيث يسمح لكسر الممنوع في المدارس المسرحية، بغية اللخروج برؤية بصرية جمالية على مستوى العرض والتأليف والتمثيل. ولعل الفهم الخاطئ لهذا الاتجاه المسرحي جعل التجريب يتحول من إبداع وابتكار إلى تخريب للعرض المسرحي بأكمله، فما بين التجريب والتخريب نقطة على مستوى اللفظ اللغوي تمددت بمفعول حرارة التنافس لتعتلي قاع الكلمة إلى أعلاها لتجعلها تخريبا يمارس في مسرحنا السعودي. وإن كان هناك فرقة وحيدة تمارس التجريب فهي ورشة العمل المسرحي بالطائف، إلا أنها لا تزال على أعتاب التجريب. فما نراه يقدم من عروض مسرحية لفرق ناشئة أو أخرى لها باع في المسرح منتهجة ما تسميه تجريبا، ما هو إلا تقليد أعمى لا معنى. فالتجريب ليس استعراضا جسديا لحركات إيمائية لا دلالة لها، وليس تغريبا لعمل لا يحتمل التغريب، وليس مبالغة في الديكور أو الأزياء أو حتى في الأداء التمثيلي للممثلين، بل هو تناول لعناصر العرض المسرحي التي وضعها ستانسلافسكي، وهي التوازن والتكامل بين المخرج والكاتب والممثل والجمهور بطرق مختلفة عن المألوف والمتعارف عليه، وما يميز المسرح التجريبي هو نبذه لكل ما هو معلب وسائد، فمن صفاته التمرد على سلطة النص والتجرد منها وتناولها كفكرة يتم طرحها بأسلوب فني جمالي معتمدا على السينوغرافيا وتجنب الترجمة الحرفية لنص المؤلف. وتعد الورش أو المعامل المسرحية المنتشرة في الكثير من دول العالم ولادة للأعمال المسرحية التجريبية لأنها تقوم على مفهوم مختبري بحثي يقدم عدة تجارب مستمرة على جزئية معينة في المسرح للخروج بإبداع جديد. وما قدم أخيرا في المملكة من دورات حول المسرح التجريبي تحت اسم «تقنيات المسرح التجريبي» ما هي إلا محاولات تضليلية حول مفهوم التجريب لجعله مدرسة مستقلة بذاتها لها تقنيات خاصة وبنية مستقلة، وهذا يتنافى مع المفهوم اللامحدود للتجريب، وكان الأولى لهذه الدورات أن تخصص للثقافة المسرحية وإعداد الممثل وفهم المدارس المسرحية، لا سيما أن شباب المسرح في المجمل غير ملمين بأبجديات العمل المسرحي وخصائصه، وليس حريا بنا أن ننقلهم من الصفوف التمهيدية إلى العليا من دون المرور بالصفوف الأولية.