ينظر العراقيون بعين الترقب والقلق لما يطرح من آراء وتصريحات حول الفدرالية في العراق. وما يقال يثير في نفوسهم الخوف من تقسيم بلادهم. وفتح الباب امام صراعات تمهد لحرب اهلية. تضارب الآراء والتصريحات يزيد شكوكهم في النوايا الامريكية. ونوايا جهات عراقية مثل التركمان والاكراد الذين يعدون انفسهم من ابرز المعنيين بهذه المسألة واهدافها في العراق. بول بريمر الحاكم الامريكي المدني الاعلى في العراق بحث قضية الفدرالية مع قادة اكبر حزبين رئيسيين كرديين، هما جلال الطالباني ومسعود البرزاني في مصيف صلاح الدين في شمال العراق الاسبوع الماضي. وقال بعد الاجتماع ان الولاياتالمتحدةالامريكية ستترك موضوع الفدرالية الكردية لعراقيين منتخبين.ما يعني ان الادارة الأمريكية ارادت ان تنأى بنفسها عن الصراع ورمت بالكرة في ملعب الاكراد والعراقيين معلقة الموضوع الى اجل غير مسمى. فاجراء انتخابات يبدو انه الى اجل غير مسمى وقد اصر بريمر علنا على ان تكون الحكومة المؤقتة في يوليو حكومة معينة لا منتخبة ويقول مراقبون ان الانتخابات ستجرى عام 2005. في هذا الاثناء يحاول ممثلو ثمانية احزاب في مجلس الحكم وخارجه حل الخلافات القائمة داخل المجلس حول الفدرالية بزيارة يقومون بها الى اربيل والسليمانية. واجراء سلسلة من الاجتماعات محاولين نزع فتيل ازمة بدأت تهدد مجلس الحكم نفسه. فقد اعلن نوشيروان مصطفى نائب رئيس حزب الاتحاد الكردستاني قبل ايام ان عدم تحقيق مطالب الاكراد في فدرالية سيجعل ممثليهم ينسحبون من المجلس،ومن جميع مؤسساته. مما هدد بانهيار اول نظام عراقي عينته القوات الامريكية ليكون حكومة انتقالية للعراقيين في فترة تضطرب فيها امور البلاد. ممثلو الاحزاب يحاولون في مباحثاتهم مع القيادات الكردية في شمال العراق تأجيل بحث مسألة حدود اقليم كردستان. ومسألة الوضع في كركوك. ليكون الحوار في الوقت الحاضر هادئا ولا يؤدي الى ازمة جديدة. خاصة بعد ان رفض مجلس شيوخ العشائر في العراق ان تكون الفدرالية الكردية على اساس قومي وتضم مدينة كركوك. هذا الرفض سنته احزاب عراقية مما شكل شبه اجماع وطني. وتعليقا على ما يجري من احداث حول قضية الفدرالية اعرب رئيس الدورة الحالية لمجلس الحكم الانتقالي في العراق عدنان الباجة جي ان موضوع الفدرالية جرى الاتفاق عليه مبدئيا مع القوات الامريكية. دون ان يوضح شكل هذا الاتفاق. الذي يبدو ان مباحثات بريمر مع طالباني وبرزاني انصبت حوله. والذي يصر الاكراد على ان تكون الفدرالية على اساس عرقي يضمن للاكراد تحديد مساحة اقليمهم جغرافيا وعلى اساس قومي. هذا التوجه رفضته عضوة مجلس الحكم ممثلة التركمان السيدة شن كول جاكوب بقولها ان الفدرالية يجب ان تكون على اساس اداري وليس عرقيا. مطالبة بان تكون كركوك خارج الفدرالية الكردية لان التركمان يمثلون اغلبية كبيرة فيها. وان وجودهم فيها وجود تاريخي وان الاكراد جاءوا الى كركوك خلال فترة حكم عبد الكريم قاسم بعد عام 1958. الاحزاب والحركات السياسية العراقية رأت ان موضوع الفدرالية هو فكرة امريكية سبقت احتلال العراق. ونوقشت قبل احتلاله في مؤتمري لندن وصلاح الدين قبل الحرب. وتم اقرار فدرالية كردية لم يشارك فيها معظم العراقيين ويدافع عنها الاكراد اليوم. وهو الامر الذي يثير استغراب القيادات الكردية التي ترى ان بعض اعضاء مجلس الحكم تراجعوا عن تأييدهم لفكرة الفدرالية التي كان متفقا عليها في وقت سابق. هذه المواقف الجديدة التي يرى الاكراد انها مفاجأة لهم بعد ان تم الاتفاق قبل الحرب على ان يكون للاكراد في شمال العراق حق في اقامة الفدرالية عبر عنها رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني جلال الطالباني في حديث صحفي قبل يومين بان الفدرالية امر متفق عليه في مجلس الحكم. لكن المسألة تتعلق بالمفهوم والمضمون ، وان امامنا تحديات كبيرة وكثيرة بشأن الفدرالية. وعلينا بذل جهود مكثفة مع مجلس الحكم والحلفاء لتأييد ودعم المشروع. هذا الكلام يعني ان الموضوع لم يحسم بعد وربما لن يحسم في القريب العاجل. خاصة ان موضوع الفدرالية الكردية بدأ في كركوك بنزيف دم ربما يتكرر. وهو الامر الذي اراد الطالباني ان يقلل من تأثيره. وينزع فتيل ازمته. حين قال نحن بحاجة الى حوار علني وهاديء حول كركوك والفدرالية. مدعوما بالحقائق والوثائق. وليس مجرد اتهامات موضحا في الوقت نفسه ان كركوك مدينة التآخي للاكراد والتركمان والعرب والكلد والآشوريين. هذا الكلام العاقل فسره الكثير من المحللين بان الاكراد لا يريدون في هذا الوقت اثارة ازمة تؤدي الى تفجر نزيف الدم في كركوك. مثلما لا يرغب الامريكان في ذلك. وهم الحريصون على ان يستمر نزيف النفط في كركوك قبل أي شيء اخر لضمان مصالحهم قبل أي طرف آخر. حتى لو كان الاكراد الذين غبنهم التاريخ هم الضحية. ويبدو ان ذلك التوافق في التهدئة قد اعاد الحديث عن حكم ذاتي. وهو ما كان قد قرره حزب البعث سابقا عام 1970 وأقره في عام 1974 الا انه لم يسمح بتنفيذه كما كان مطلوبا بل تحول الى مشروع لتبعيث المنطقة الكردية وهو الخطأ الفادح الذي وقع فيه البعثيون حين لم يحلوا المشكلة الكردية حلا جذريا. بل تركوها معلقة حتى تحولت الى شرارة نار تكاد تحرق العراق بكامله بعد الاحتلال الامريكي. موضوع الفدرالية العراقية الذي اصبح شغل العراقيين الشاغل وهاجسهم القلق ينظر اليه الجميع في العراق على ان مشكلته بدأت من كركوك التي ما زالت تقف على كف عفريت كما يقول المثل الشعبي. لذلك فان تصاعد الحديث عنها يمكن ان يفجر الوضع من جديد في هذه المدينة التي تختزن نفط العراق ودماء اربع قوميات هي العربية والكردية والآشورية والتركمانية. ويمكن ان تتفجر الاحداث فيها في اية لحظة الامر الذي دفع العقيد ( ما يكل ) القائد العام للقوات الامريكية في كركوك الى زيادة عدد دوريات الشرطة والشرطة العسكرية الامريكية بناء على طلب محافظ واهالي كركوك. بانتظار ان يهدأ الحديث عن الفدرالية او يتصاعد في وقت يزيد فيه الاحتقان الخفي الذي ربما يظهر على السطح ويقلب الامور رأسا على عقب. الاكراد الذين يبدون غاضبين ولكن بصمت على موقف الامريكان الذي ترك الامور معلقة وخالفوا ما تحدثوا به مع الاكراد قبل الحرب من ان فدرالية كردية ستكون في شمال العراق للاكراد ، يستغربون ما يتحدث به الامريكان اليوم عن فدرالية محافظات غير عرقية وطائفية ما يعني ان موضوع الفدرالية الكردية سيبقى في ظهر الغيب ومنبع ازمات تتفجر اذا لم يتدارك العراقيون هذا الموضوع الذي يبدو ان الامريكان لا يرغبون في حله في الوقت الحاضر بل تركه لإدارة امريكية اخرى اذا ما فشل بوش في الانتخابات ، فالمهم الان هو النفط الذي يتدفق وغيره يؤجل.