إذا كان وجود القوات الأجنبية التي وصلت العراق لحفظ الأمن والسلام بعد الاحتلال الأمريكي تثير قلق العراقيين وانزعاجهم فان وصول القوات التركية في الأيام المقبلة سيثير الكثير من المشاكل في العراق . فمن المؤمل ان تصل العراق في الأيام المقبلة القوات التركية التي سيتراوح عددها بين 10 - 16 الف مقاتل للمشاركة في ما يسمى بقوات حفظ الأمن والاستقرار في العراق هذه القوات التي يشاع انها ستنتشر في بعض الأماكن السنية من العراق قد بدأت تثير قلق الأحزاب الكردية الرئيسة وهما حزبا الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال الطالباني والحزب الديمقراطي الكردستاني بقياد البارزاني حيث ان منطقة عمل القوات التركية ستكون بمحاذاة المنطقة الكردية في شمال العراق وهو الامر الذي لا يرغب به الأكراد حيث ترى تركيا ان من واجبها منع قيام أي كيان كردي مستقل او شبه مستقل في شمال العراق لانه سيؤثر على وضع الأكراد في جنوبتركيا والبالغ عددهم قرابة 14 مليون كردي لم تعترف تركيا بحقوقهم القومية والثقافية حتى الآن . ومع نشوب معركة بين الأكراد والتركمان في مدينة كركوك شمال العراق مؤخرا ومقتل سبعة أشخاص وجرح 12 آخرين ، زاد قلق الأكراد العراقيين من احتمال توسع نفوذ التركمان في مناطقهم حيث تقطن الأغلبية التركمانية العراقية التي تحظى برعاية تركيا في المناطق الكردية شمال العراق . المعركة التي وقعت بين التركمان والاكراد كشفت من طرف خفي عن وجود خلافات وصراعات فكرية وقومية حادة بين الأكراد والتركمان وهو الأمر الذي يدعو الأكراد الى الاعتقاد بان نفوذ التركمان يمكن ان يتوسع ويقوى مع وجود القوات التركية حيث يرتبط التركمان العراقيون منذ عدة سنوات بعلاقات وطيدة مع تركيا التي أنشأت لهم مدارس في مناطق شمال العراق خلال السنوات العشر الأخيرة بعد خروج المنطقة الكردية عن السيطرة المركزية لنظام صدام بعد حرب الخليج الثانية . التركمان الذين تبلغ نسبتهم في هذه المنطقة قياسا بالأكراد 1 الى 3 كانوا يعتقدون ان تمثيلهم في مجلس الحكم بشخص واحد لم يكن منصفا لهم كما يعتقدون ان تمثيلهم في تشكيلة الوزارة الجديدة لن يكون منصفا لهم أيضا ولهذا يعتقد بعض المحللين ان التركمان سوف يستغلون وجود القوات التركية في العراق والتي ستكون اكبر قوة دولية بعد أمريكا وبريطانيا لصلاحهم ولصالح توسيع وجودهم في المؤسسات الحكومية والحزبية العراقية . ومع ان الأيام المقبلة حبلى بالكثير من المفاجآت الا ان بعض المحللين العراقيين يرون ان عمل القوات التركية في العراق تحت إمرة القيادة العسكرية الأمريكية يمكن ان يحجم بعض المشاكل التي قد تنشب مستقبلا الا ان وجود القوات التركية بحد ذاته في الأراضي العراقية سيظل مصدر قلق للأكراد خاصة وان الأكراد قد رفضوا خلال الحرب الأمريكية ضد العراق وجود القوات التركية على أراضيهم ،وطالبوا أمريكا بعدم إدخالها لما يمكن ان ينشأ من مشاكل ، حيث ثارت في ذلك الوقت مظاهرات كبيرة رفضت دخول القوات التركية الى شمال العراق ، وهو الأمر الذي دفع تركيا الى مقايضة أمريكا بدخول القوات التركية الى شمال العراق، مقابل الموافقة على دخول القوات الأمريكية الى شمال العراق عن طريق تركيا ، الأمر الذي لم يحسم حتى قامت الحرب وحقق الأمريكان حلمهم باحتلال العراق ، مما يفرض اليوم على تركيا ان ترى مصالحها بدقة ولا ترفض طلبا أمريكيا بإرسال قوات الى العراق كي لا تخسر موقعها في شمال العراق الذي يعززه ويسنده وجود التركمان العراقيين ، الا ان ذلك كله ووفق هذه المعادلة يبقي الوضع مفتوحا على احتمالات خطرة في قابل الأيام .