مدخل : وإن قلت أنا سعودي .. و أمي هالبلد .. أقول تشهد إنها جابت ولد . هذا المقطع من آخر ما كتب الراحل طلال الرشيد , الذي اختطفته رصاصات الغدر في صحراء مجهولة في الجزائر الشقيقة , في أيام عيد الفطر السعيد , لتضاعف من تعميق جراحنا النازفة على رحيله , ولعل من يقرأ المقطع الذي افتتحت به هذا الموضوع , يدرك عمق العلاقة بين طلال ووطنه , فلقد عاش رحمه الله العمر المقدر له في هذه الدنيا , وهو يعبر في أفعاله وأقواله عن فلسفة الحب العميق الذي ربطه بوطنه , فبالرغم من أنه لم تكن تربطني به رحمه الله أية معرفة , إلا أن القراءة المتعمقة لسيرته , تبين أنه كان يعيش عشقاً حقيقياً لوطنه , فالكثير من الشعراء مهما اختلفت درجات تميزهم , كانت لهم أخطاء كبيرة تجاه الآخرين وتجاه الشعر وتجاه القيم , إلا طلال فأنه أختار أن يعيش في صفوة النبلاء من شعراء الساحة , بالرغم من امتلاكه لمجلة ( فواصل ) التي تتميز بشهرة واسعة , والتي كان يمكن له أن يجعلها منبراً لذاته وكان من الممكن أن تطغى عليها اعتبارات أخرى ولكنه كان يدرك أن المواطنة التي أعتنقها بكل أبعادها الجميلة تستحق أن تترجم إلى سلوك عملي يتسم بالنقاء والالتزام بدلاً من التنظير المفرغ من قيمته تحت سيطرة حب الذات والانسياق في متاهات الأنا المدمرة ولعل ما يخفف مصابنا برحيله الذي فاجأنا بقدومه من اتجاه الفرح خلال أيام عيد الفطر السعيد وكأنه جاء من هذا الاتجاه ليزيد مصابنا , هذا الشعور العميق بالحزن الذي اجتاح أفئدة الناس وهذا الشعور العارم بالأٍسى على فقده , فالناس بمختلف اهتماماتهم وتوجهاتهم تناقلوا خبر وفاته بعبارات العزاء والمواساة لبعضهم , بدلاً من أن يكون تناقلاً مجردا للخبر. إن هذه الفاجعة بالرغم من قسوتها كشفت لنا تلاحم المجتمع الذي أحبه طلال فها هي أمه (الوطن ) التي أشار لها في المقطع الشعري الذي يعلو هذه الزاوية تبادله الوفاء والحب على المستوى الرسمي والشعبي كعادتها مع ابنائها البررة ولعل العزاء الذي يخفف مصابنا برحيله ما تكشفت عنه الأيام من مساحات الحب التي كان يتمتع بها رحمه الله من أناس ربما أنه لم تكن تربطهم به أدنى درجات المعرفة ولكنه استطاع أن يجمع حوله الكثير من المحبين.. ختاماً أود أن أتقدم بالعزاء لجميع زملائي الشعراء ولأسرة الفقيد والذين آمل منهم أن يسعوا إلى استمرار مجلة ( فواصل ) لأنها كانت تمثل لطلال الشيء الكثير خصوصاً وأنها بكادرها التحريري المميز برئاسة الزميل عبد الله ناصر العتيبي قد اختطت لنفسها منهجية المؤسسات الصحفية القادرة على الحضور الأدبي الملزم. فإن اختطفت رصاصات الغدر طلال من بيننا فلا تخطفوا ذكراه بإيقاف مجلته. فاصلة بيضاء: (اللهم أغثني بالرحمة , وارزقني التوفيق والعصمة ,وطهر قلبي من غياهب التهمة يا رحيماً بعباده المؤمنين). تأملوا هذا المقطع الذي كتبه الراحل لصفحته في الزميلة فواصل وسوف تنشره في عددها القادم لتعرفوا أي رجل ٍ فقدنا فقد كتب هذه المناجاة وهو مقبل على الدنيا ولم يكن يعلم أن القدرانهى عمره . رحم الله أبا نواف واسكنه فسيح جناته.