جاءت استقالة الرئيس الجورجي ادوارد شيفاردنادزه من منصبه لتشكل خاتمة لمرحلة سياسية حرجة من حياة الدولة الجورجية المعاصرة ولتشكل بداية لمرحلة جديدة يغلفها الغموض الناجم عن تلون الطيف السياسي لاحزاب المعارضة وزعمائها وبرامجهم وارائهم المختلفة0 ويبدو اغلبية المراقبين السياسيين على حق في القائهم اللوم على شيفاردنادزه بسبب اخفاقه في قيادة البلاد وتخليصها من تركة الماضي وفشله في تحقيق الحد الادنى في مجال التصدي للفساد والفقر والجريمة واخفاقه في تخفيف حدة المعضلات الاجتماعية والاقتصادية التي عانى منها الشعب الجورجي والتي دفعت اخيرا الجميع للخروج الى الساحة العامة في شارع روستافللي لاعلان ثورة بيضاء او ثورة الزهور كما يحلو للبعض ان يسميها0 ويكمن الخطأ الاساسي لشيفاردنادزه الذي يعتبر آخر ممثل العهد السوفياتي فى رابطة الدول المستقلة في اتخاذه من تكتيك اللعب على التناقضات المحلية والاقلمية والدولية استرايجية مكنته من ارتقاء اعلى سلم السلطة ولكنها لم تكن كافية للاحتفاظ بالسلطة في عالم متغير بالغ التعقيد0 وكان شيفاردنادزه قد راهن على علاقات مميزه مع الغرب وخاصة الولاياتالمتحدةالامريكية التي اقام روابط متطورة معها في مجال التعاون العسكري والامني توجت بتولي اكثر من 1500 خبير عسكري مهمة اعداد القوات الجورجية الخاصة، كما لم يتعمد شيفاردنادزه في الوقت نفسه تجاهل روسيا فقط بل لجأ مرارا الى اغاظة الروس من خلال تبني سياسة غض النظر عن نشاط المقاتلين الشيشان في منطقة الحدود الروسية الجورجية في وادي بانكسي من جهة وعدم الاعتراض على الطلعات الاستفزازية للطائرات الامريكية المرابطة في جورجيا على عمق عدة كيلومترات فى الاراضى الروسية0 ولم يتورع شيفاردنادزه عن التغاضي وربما احيانا التحريض على التعرض للقوات الروسية التي تقوم بمهام حفظ السلام في جمهورية ابخازيا التي اعلنت استقلالا احاديا الجانب وغير معترف به عن جورجيا وقاطع الاطر الامنية والدفاعية التي عملت الدول الاعضاء في رابطة الدول المستقلة على تشكيلها لضمان الامن الاقليمي فى المنطقة مثل معاهدة الدفاع المشترك ومركز مكافحة الارهاب 0 وبالطبع يجمع المراقبون على ان مستقبل جورجيا سيظل مجهولا حتى بعد غياب شيفاردنادزه بسبب الاختلاف الملحوظ في اطروحات احزاب المعارضة وزعمائها بدءا من ميخائيل شاكشفيلي وزوراب جفانيا وانتهاء بنينو بورجاندزه التي تولت مهام الرئاسة مؤقتا والتي يتوجب عليها اعداد البلاد خلال 45 يوما لاجراء انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة0 من جهتها ستواجه الرئيسة المؤقتة مشكلة تحديد موقف بين جمهورية ابخازيا التي اعلنت في عام 1993 استقلالها عن جورجيا واقامت هيئات مستقلة للسلطة هناك وباتت تملك قوات مسلحة لا يستهان بها وسبق لها وان هزمت الجيش الجورجي وبين المعارضة المتطرفة التي يقودها ميخائيل شاكشفيللي والذي يتزعم دعاة الحسم العسكري مع ابخازيا0 كما يجمع المراقبون على ان اي محاولة من قبل السلطات الجديدة لحسم النزاع بالقوة سيودي فورا الى تفكك الدولة الجورجية وظهور اربعة دول مكانها 0 وفي جميع الاحوال فان المهمة الاساسية للرئيسة المؤقتة البالغة من العمر 39 عاما ستمثل اولا واخيرا في قيادة البلاد نحو انتخابات جديدة من شأنها اذا جرت في اجواء من النزاهة والديمقراطية ان تفتح الطريق امام مخرج سلمي ليس فقط لازمة السلطة في تبليسي بل وللعلاقة المتوترة مع جمهوريات الحكم الذاتي التي اشتد عودها خلال سنوات حكم شيفاردنادزه ولا تحتاج لاكثر من اعلان سياسي لاستقلالها او انضمامها لدول اخرى، ولا يسعنا الا القول ان على قيادة المعارضة ان تجد وبسرعة لغة مشتركة مع رئيس ادجاريا روسلان اباشيدزه الذي لا يحظى بمكانة مرموقة داخل جورجيا بل وفي روسيا وبقية الدول المستقلة والتي كانت ترى فيه حتى وقت قصير بديلا لشيفاردنادزه.