تلقيت دعوة من احد المسؤولين لحضور احد الاحتفالات التي كثيرا ما تنظمها هذه المؤسسة اما في مبنى الادارة او احد المواقع التابعة لهذه الادارة لكن هذه المرة كان الحفل ضخما بما يتناسب مع اهمية المناسبة ولهذا السبب اقيم الحفل في احد قاعات مبنى الادارة الانيق والذي دائما ما يكون على رأس الحضور في الحفل المدير العام بنفسه وكان الحفل بحد ذاته رائعا من حيث استقبال الضيوف والتنظيم الجيد لجميع فقرات الحفل وحتى نهايته. الحكاية عندما بدأ الضيوف بالمغادرة وفي بهو المبنى الضخم سالت احد المدعوين وان كان من المدراء الفرعيين عن المدير العام وقلت اخي الكريم اين استطيع مقابلة المدير؟ واين مكتبه فقال: ماذا تريد منه قلت: ارغب في تقديم الشكر والثناء له على نجاح هذا الحفل وعلى كلمته التي القاها على الحضور. ففوجئت برد غريب من هذا الرجل المتوسط في السن وبلباسه المرتب وذلك البشت الاسود الخفيف حتى من اول نظرة ظننت انه احد الوزراء. فقال: المدير، قلت: نعم قال: هيهات، انه في مكتبه في الدور الثاني ولكن من يقدر ان يدخل عليه او مخاطبته من دون سابق موعد، وربما حتى ان طلبت فلن يسمح لك فقال متباهيا: وينك او وين هذا فلان بن فلان مدير الادارة كيف ترغب مقابلته ونحن المدراء الفرعيين لا نستطيع محاكاته الا بعد اسبوع من حجز الموعد معه. فقلت: فقط ارشدني الى مكتبه واترك الباقي علي فقال: من اين انت الا تفهم لن يقبل بمقابلتك بل سيوقفك السكرتير الاول والثاني والثالث والرابع فكيف سيتم لك عبور هذه المكاتب الافضل ان تغادر الى منزلك والا تضيع و قتك في محاولة يائسة لن يتم لها النجاح مطلقا. فقلت: هل هذا اسلوبه في التعامل مع من يريد مقابلته؟ قال هذا ما اسمع ولكن لم اقم بهذه التجربة فانا دائما اخاطبه عبر الهاتف والصورة التي رسمتها عن هذا المدير حين استقبلني عند بوابة الدخول التي كانت تعبر عن ذلك المدير المتواضع والناجح في عمله بقيت على اصراري في مقابتله مهما كلفت النتيجة. أخيرا وصلت الى مكتب المدير فطرقت الباب فلم يجبني احد وظللت واقفا امام الباب حتى جاء مساعد المدير وقال لن يسمعك فمكتبه بعد ثلاثة مكاتب من هنا تفضل معي فدخلنا ولم نجد في المكاتب وفي ساعة متأخرة من الليل احد من الذين تحدث عنهم ذلك الرجل وعندما وصلنا لمكتب المدير طرق الباب مساعده وفورا سمعنا اجابة من الداخل يقول فيها استريحوا في المكتب المجاور فقط خمس دقائق وساكون بينكم وفعلا خرج الرجل مبتسما واعتذر لنا عن التأخير مع ان معرفتي به سطحية وعن طريق الصحف وقبل ان اتوجه بسؤالي فاجأني هو بسؤاله فقال كيف رأيتم الاحتفال؟ فقلت: عمل جيد ومنظم ويكفي استقبالكم الحار للمدعوين ثم قال: وماذا عن كلمتي فقلت: كفيت ووفيت واعطيت كل ذي حق حقه واردف قائلا: انا اقصد كيف تقيمون طريقة القائي للكلمة فقلت: اسلوب فني عال وقدرة فائقة على ايصال الكلمة ثم سكت قليلا وقال كيف حال الدكتور بكر الشدي هذا قبل وفاته يرحمه الله قلت في صحة جيدة ثم قال: ادعو من الله عز وجل ان يعجل بشفائه فهو موسوعة ثقافية وأدبية نحن في حاجة لمثلها في هذا الزمن فقلت هذا من طيبتك وذوقك الرفيع في تقييم الناس. فقال سوف اقوم بزيارته في اسرع وقت ممكن قلت: هذا من لطفك وحرصك على ابناء هذا الوطن المتميزين ثم قال بلغه تحياتي ودعواتي له بالشفاء. وبعد لحظات من السكوت وجدت لنفسي فرصة في توجيه السؤال الذي جئت من اجله. فقلت يا سعادة.. اين انتم من المدن الاخرى في محافظتكم لم اشاهد منهم احدا في حفل التكريم فقال سينالون نصيبهم في الاعوام القادمة ان شاء الله ولكن هؤلاء المكرمون تم اختيارهم عن طريق لجنة خاصة لا دخل لنا فيها فاخذنا بنتاجهم ولكن الاعوام القادمة سنضع بعض المعايير والمقاييس التي ربما تكون اخف بعض الشيء ليشمل التكريم اكبر عدد ممكن من العاملين والمواطنين والاداريين فشكرته ثم وجهت له دعوة بزيارة مدينة العيون ومحافظة بقيق فوافق عند وجود الفرصة المناسبة ثم هممت بالمغادرة فرافقني الى بهو المبنى وهناك شاهدت ذلك الرجل فنظرت اليه ثم ادار برأسه للجهة الاخرى ولكني لم اتركه يخرج بانطباعه الذي اخذه عن هذا المدير المتواضع فدعوته يا استاذ ثم تلعثم وكاد ان يسقط من الخجل. فقال له المدير: اين انت لم ارك منذ زمن بعيد فقال: لا ارغب في ازعاجكم يا طويل العمر ورد المدير باستغراب ازعاج كيف وانت احد العاملين معي فانا دائم السؤال عنك رغم انك ترفع طلباتك وتقاريرك عبر الهاتف فتركتك تواصل مخاطبتي على الهاتف ظنا مني انها الطريقة التي ترتاح اليها فلم ارغب في الضغط عليك بالحضور شخصيا الى مكتبي فسكت الرجل والحمرة ملأت وجهه وتصبب العراق من جبينه وعندها عرف انه على خطأ في تقييمه لمديره لانه لم يجرب بنفسه بل اكتفى بالاستماع لكلام الواشين والحاقدين فأضلوه الطريق كنت اتمنى ان اتي بذكر اسمه وشخصيته ولكني لم استأذنه في ذلك علاوه على انه وعدني بلقاء خاص عن هموم الادارة والمواطنين والعلاقات العامة والاقتصاد العام في هذا البلد ونظرته الخاصة عن الاقتصاد العالمي بشكل عام فآثرت ان اذكر شخصيته عند ذلك اللقاء الذي ان شاء المولى عز وجل سيتم في القريب العاجل. @@ ابراهيم بن صالح الشدي