في الثالثة عشرة من عمره بدأت رحلة (س. ع) مع الشيطان، الذي تكفل اثنان من زملائه بتعريفه عليه، دامت علاقته بالمخدرات 12 عاماً، حاول خلالها مرتين ان يقطع صلته بها، ولكنه فشل، والسبب رفقاء السوء، الذين كانوا يتكفلون بإعادة المياه إلى مجاريها.خلال هذه السنوات فقد (س. ع) الكثير، أمه التي توفيت بعد سماعها خبر إدمانه، خاله الذي عطف عليه ومد له يد العون في اللحظات الصعبة، مستقبله الذي دمره بيده، وقبل كل ذلك احترامه لإنسانيته.غير أنني شعرت وأنا أنظر إلى عينيه حين صافحته مودعاً بأن هذا الرجل يخطو بثبات نحو الشفاء من هذا الداء، وأيضاً أنه سيكون شخصاً مختلفاً بالمرة حين يخرج من المستشفى. أنا من ضيعته المخدرات لنسمع منه تعريفه لنفسه: أنا من ضيعته المخدرات وعاش بلا هوية، حياتي كانت سعيدة، صحيح أنني لم ألق الاهتمام الكافي من والدي، الذي كان دائم الأسفار، ولكن والدتي أغدقت علي حناناً كبيراً، وربتني على الاستقامة، وعلمتني الصلوات والفروض، التي كنت أواظب عليها، كما كنت متفوقاً في دراستي. دام هذا الحال إلى ان وصلت إلى الصف الأول المتوسط، وكان عمري 13 عاماً، وكان في الفصل الذي أدرس فيه طلبة لم يأتوا إلى المدرسة من أجل العلم، وحين لاحظت وزملائي سوء تصرفاتهم أبلغنا المدير، الذي لم يفعل لهم شيئاً، فإصلاحهم كان من المنزل، ولا أعتقد أنهم كانوا يلقون عناية من آبائهم. أرغموني على تناولها هل كان (س. ع) مؤهلاً لانتهاج درب الشيطان؟ هو ينفي ذلك، فهو يؤكد أنه أرغم على انتهاجه، يقول: من ضمن الطلاب السيئين في الفصل الذي كنت أدرس فيه طالبان كانا يكبرانني بثلاث سنوات، وقد حاولا في البدء اغرائي بتناول حبة بيضاء، وأوهموني بأنها ستجعلني سعيداً، وأعيش في عالم آخر، فرفضت استخدامها، ولكنهم هددوني وأجبروني في إحدى المرات حين حاصروني في الحمام، فقالا لي: مرة واحدة لن تضر!! فجربتها، وكانت بداية رحلتي مع الشيطان، وضياع حياتي. أبي في واد وأنا في واد سألناه: وأين كان والدك؟ فرد: والدي لم يكن يكلف نفسه بالسؤال عني طيلة سنوات دراستي، ولم يكن يعرف أين تقع المدرسة التي كنت أدرس فيها. وكذلك بقية أموري، كان كثير الأسفار، لا يهتم إلا بنفسه، ولم يرزقه الله من أمي إلا بي أنا، كان والدي كثير السفر، وفيما بعد عرفنا أنه متزوج من امرأة عربية، رزق منها بثلاثة أولاد. وماذا عن الوالدة؟ قال - بعد نوبة بكاء حاد: لم يكن لها حول ولا قوة، كانت تعاني عدة أمراض، بسبب إهمال وسوء معاملة الوالد لها ولي، ولكنها كانت لا تبخل علي بشيء، كانت تستجيب لكل ما أطلبه منها. خالي اكتشفني فكانت الصاعقة العام الذي بدأ فيه (س. ع) تعاطي المخدرات كان العام الدراسي الأخير في حياته، فلقد شعر بأنه غير قادر على مواصلة الدراسة، فجلس في منزله، وكانت والدته توفر له احتياجاته المالية، التي كان ينفق منها على المخدرات. واستمر (س. ع) في التعاطي 3 سنوات، دون ان يعرف أحد من أسرته سره. إلى ان حدثت الطامة.. يقول: كان خالي يتردد على منزلنا لتفقد والدتي المريضة والاطمئنان على صحتها، وفي ذلك اليوم كنت أجلس في غرفتي، وكنت أظن أنني أقفلت الباب بالمفتاح، ولم أكن أعلم أنه مفتوح، وفجأة وبينما كنت أتعاطى الحبوب المخدرة رأيت خالي يقف أمامي، كان لاكتشافه تعاطي وقع الصاعقة علي، شعرت بالخوف والانهيار. العلاج لم يفد غير ان خاله كان متماسكاً، فلم يكن وضع والدته الصحي يتحمل سماع خبر ان وحيدها يتعاطى المخدرات، وإلا أصيبت بانهيار.. يقول: أخذ الحبوب مني، واصطحبني إلى أحد المستشفيات لعلاجي من الإدمان، ولكنني لم أشف تماماً من هذا الداء، فلقد أهملت العلاج. في تلك الفترة اكتشفت والدة (س. ع) زواج والده من أخرى، فكانت صدمة كبرى بالنسبة لها، وزادت صدمتها حين عرفت بإدمان ابنها.. يقول: دخلت أمي المستشفى، وبقيت هناك قرابة الشهرين، حتى توفيت يرحمها الله. أسوأ أيام حياتي بعد نصف ساعة من البكاء الحاد والتأثر، واصل (س. ع) القصة: كان عمري حينها 17 عاماً، ومرت عليّ في تلك الفترة أسوأ أيام حياتي، كنت أتنقل بين منزلي خالي وعمي، والأخير كان قاسياً جداً معي. أما والدي فلقد تبرأ مني، بعد ان استقدم زوجته وأطفاله إلى المملكة، لم يكن يريد ان يراني بالمرة، لذا بقيت في منزل خالي، الذي كان يعطف عليّ ويواسيني، حتى أنه عمل على توفير وظيفة ليّ في إحدى الدوائر الحكومية، براتب قدره 1300 ريال. باكستاني أعادني إلى الدرب رغم ذلك فإن (س. ع) لم يترك المخدرات، فلقد عاد لها مرة أخرى، وعن قصة العودة يقول: بعد عام من تركها في ظروف نفسية صعبة، وفي مواجهة ضغوط حياة قاسية، تعرفت على زملاء آخرين في العمل، أحدهما كان يعمل مراسلاً في نفس الدائرة التي اعمل بها، فلقد أغراني بالتعرف على شخص باكستاني، قال لي أنه رجل طيب (!!)، وسوف نذهب له في زيارة ليلية هادئة، نستمتع خلالها، وفعلاً ذهبنا، وليتني لم أذهب، فذهابي كان هو عودتي مرة أخرى، فلقد أعطاني حبة مخدرة، جعلتني أتوهم أنني سعيد، واستمررت في تعاطيها. الأبواب مقفلة في وجهي علم خال (س. ع) بتعاطيه، فأدخله المستشفى، لتلقي العلاج، وبعد شهرين بدا له أنه تحسن فخرج من المستشفى، ولكنه لم يعد إلى عمله، فلقد فصلوه.. يقول: أقفلت الأبواب في وجهي، وشعرت بأنني غير مرغوب فيه في المجتمع، لأنني كنت أعيش بلا هدف، ولم أبحث عن وظيفة، لأن حياتي كانت مشتتة بين منزلي خالي وعمي، وأيضاً رفاق السوء، رغم ان خالي كان يحرص على ان يبعدني عن هذا العالم السيئ، إلا أنني كنت قد انغمست فيه حتى أذني. كارثة أخرى لم تكف (س. ع) الكارثة الأولى التي قضت على والدته، فكررها مرة أخرى، ولكن هذه المرة في منزل خاله.. يقول: في إحدى الليالي ذهبت إلى منزل خالي الساعة الثانية صباحاً، دخلت المنزل وأنا تحت تأثير المخدر، فأغواني الشيطان ان أذهب إلى غرفة الخادمة، كنت أعتقد أنها تريدني، كانت نائمة على سريرها، وعندما حاولت ان أتمكن منها صرخت بقوة وبصوت عال جداً، أيقظ كل من كان في المنزل، ولم أشعر إلا بخالي في نفس الغرفة، مسكني وضربني، ولم أكن أشعر بما يجري حولي، وطردني من المنزل. مطرود من الحضن الدافئ حين أفاق (س. ع) في اليوم التالي أدرك ما جرى ليلة أمس، فعلم أنه لن يقدر على العودة إلى منزل خاله، الحضن الذي وفر له الدفء والحنان والعطف، في حين تخلى عنه الجميع، سواءً عمه الذي هدده بأنه سيبلغ الشرطة عنه أو يقتله لو رآه قرب منزله، أو والده الذي مضت عليه سنوات دون ان يسأل عنه، فلم يكن له إلا الجحيم، أصدقاء السوء. ولكن وبعد فترة من تلك الحياة البائسة قرر بطوعه واختياره ان يأتي إلى مجمع الأمل الطبي.. يقول: جئت إلى هنا حافي القدمين، طافشا من الحياة، بلا هدف إلا تخليص جسمي من السموم القاتلة التي كانت تسري في عروقي مع دمي. عناية واهتمام المجمع في مجمع الأمل وجد (س. ع) كل الترحيب من الجميع، سواء من المرشدين أو الأطباء.. يقول: أمضيت في المستشفى 3 أسابيع، شعرت خلالها بتحسن كبير، بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بجهود القائمين على المجمع النموذجي، الذين وجدت منهم كل مساندة وعلاج ودعم وحرص. وأيضاً من المشايخ الذين يزورون المجمع، لإلقاء المحاضرات والنصح والإرشاد، فلهم مني كل الشكر والامتنان. عمرة وإكمال الدراسة (س. ع) الذي يستعد للخروج من المجمع بعد شهر، قال له الطبيب ان حالته متأخرة، وتحتاج إلى علاج طويل، عاهد نفسه الا يعود مرة أخرى إلى هذه السموم.. يقول: سأخرج من المجمع مباشرة إلى مكةالمكرمة، لأداء مناسك العمرة، وهناك سأجدد توبتي لله، الذي أبتهل إليه ان يتقبل توبتي، ويغفر ليّ ذنوبي في حق الآخرين وفي حق نفسي، وبعد ان أعود من الديار المقدسة سأبحث عن عمل وظيفة في الصباح، أما في المساء فسأواصل دراستي، حتى أكمل الثانوية، ولو أتيحت ليّ الفرصة فسألتحق بالجامعة.. أنا مصمم على الخروج من هذا العالم الأسود، الذي عشت فيه 12 عاماً، لا يعلم بها إلا الله سبحانه وتعالى، كنت شارد الذهن لا صلاة ولا أخلاق ولا مبدأ.. وإن شاء الله سألتقي معك لإجراء حوار آخر، ولكن بعيداً عن عالم المخدرات. نصيحة للشباب طلبنا منه أن يوجه كلمة للشباب الذين لم يقعوا في افخاخ المخدرات، فقال: عليهم تقوى الله عز وجل، وان يدركوا ان هذه السموم قاتلة ومدمرة للصحة والعقل، وأنا خير شاهد على ذلك.. كما أنصحهم بالابتعاد عنها نهائياً، والا يفكروا للحظة واحدة في الاقتراب منها، حتى للتجريب، فتلك قد تكون بداية الهاوية، وقبل ذلك أنصحهم بالابتعاد عن رفاق السوء، فهؤلاء هم الذين يزينون للإنسان التعاطي، وحين يشعرون بان الإنسان يريد الابتعاد عنها يجرونه إلى عالمها مرة أخرى. وفي المقابل عليهم باتخاذ الصالحين رفاقاً لهم، فهؤلاء لن يلقوا منهم إلا الطيب. (س. ع) يروي قصته ل (اليوم)