في عالم المخدرات.. قصص ومآس.. وخلف الأبواب المغلقة.. مئات الأسرار والحكايات.. هنا يضيع الشرف.. وتهرق الكرامة في مستنقعات العار.. وهنا يقف الشيطان حاكماً بأمره.. من ملفات المخدرات نقرأ.. الدموع والحسرات.. ونقدم لكم سلسلة من القصص الواقعية من الملفات السوداء لضحايا المخدرات. البداية لم تقع أحداث هذه القصة خارج حدود بلادنا، بل في احدى مناطقها وتحكي أحداثها قصة مأساة شقيقين كان أبوهما التاجر قد اهتم بتربيتهما وتعليمهما بجانب اهتمامه بتجارته. وكان الشقيقان مضرب المثل تسود علاقتهم الألفة والمحبة والتعاون وكان والدهما يعتمد عليهما كثيراً في تسيير تجارته وإدارة أمواله. كبر الأب في السن وتوالت عليه الأمراض وأدخل على إثرها المستشفى، وماهي الا أيام قضاها على السرير الأبيض يصارع مرضه حتى توفاه الله وهو يردد عليهما نصائحه ويوصيهما بتقوى الله والإخلاص والتعاون على الخير. بعد رحيل والدهما استمر الشقيقان (فهد) و(علي) بعد وفاة والدهما في مزاولة التجارة وكانت علاقتهما مع بعضهما جيدة ومبنية على الثقة والاحترام وكان فهد يتولى تصريف الأمور بحكم الوكالة الشرعية وبعد مرور سنة من وفاة والدهما وذات يوم بينما كان (علي) يراجع حسابات أعمالهما لاحظ وجود عجز مالي مع يقينه بأن تجارتهما تسير بشكل مُرضٍ!!. تردد اول الأمر ثم سأل شقيقه مستوضحا فتجاهل سؤاله وكأن شيئاً لم يكن. وبعد فترة وجيزة زادت خسائر المتجر الرئيسي ليعود (علي) مرة ثانية لسؤال أخيه عن سبب ذلك. ولكن تجاهله كالعادة مما أثار استغرابه وطرح استفهاما كبيرا لديه رغم قناعته بسير عمل متجرهم وإنتاجيته اليومية، فأخذ يتابع شقيقه (فهد) متابعة دقيقة وماهي الا ايام حتى لاحت بالأفق بوادر غير مرضية من (فهد) حين اكتشف (علي) امرا كان وقعه عليه كالصاعقة. لقد اكتشف (علي) من خلال متابعته بان شقيقه (فهد) قد وقع في براثن المخدرات ويتعاطى الهيروين ووصل به الحال الى مراحل متقدمة. حاول (علي) نصح شقيقه وعرض مساعدته لتجاوز هذه المشكلة موضحا له ان ما يفعله دمار في حق نفسه وفي تجارتهما ومعاناة جديدة تضاف لوالدتهما التي تعاني من أمراض الضغط وداء السكري وكان يحاول مع اخيه بهدوء حتى لا تشعر والدتهما ويحصل لها مكروه، ولكن حصل ما كان يتوقعه، فذات مساء ارتفعت اصواتهما أثناء محاولة الصغير ثني الكبير عن تناول جرعة كان يجهزها وشب الخلاف بينهما وأشتعلت نار الفتنة، وزاد الشجار وارتفعت اصواتهما وبدآ في عراك كانت الأم المسكينة تسمع كلامهما فانهارت ثم اصيبت بجلطة في الدماغ نقلت على أثرها للمستشفى على الفور لتدخل في غيبوبة طويلة لم تفق منها. وبعد هذه الفاجعة هدأت النفوس وظن الشقيق الأصغر ان ما حصل امام ناظري أخيه سيكون درسا كافيا له للتوقف عن تعاطي السموم. إلا ان (فهد) لم يستطع الخلاص بل زاد في معدلات التعاطي واستنزاف مالهما بالليالي الشيطانية مع رفاق السوء. بداية المعاناة يقول (علي) لم أعد اعرف للراحة والنوم طريقاً وسبيلاً. وكنت أبكي حيناً وأهيم على وجهي أحياناً، لقد تحول أخي بشكل جذري بسبب المخدرات وأدخلنا في دوامة المشاكل وأصبح يتعاطى كل المخدرات داخل المنزل ويقضي الساعات الطوال في غرفته تتقاذفه آلام الإدمان اللعين. ووالدتي في غيبوبتها بين الحياة والموت اما متجرنا الكبير ومصدر دخلنا فبدأت تتراجع موارده يوما بعد يوم. وذات يوم حاولت اقناع شقيقي (فهد) من باب النصح والمحبة والحرص على صحته وصحة والدتي ان نتعاون وننسى رغبة في ان تعود المياه لمجاريها ولكن شقيقي (فهد) لم يستمع لكلامي ووصفني بأقذع الصفات. جلست مع نفسي ساعات مليئة بالحزن والأسى والتفكير المتواصل في حالتي واسرتنا وحالة والدتي ومصير اخي المصر على التعاطي وكنت اسأل نفسي كيف اجد مخرجا ينقذ حياتنا وحياة أخي بعيدا عن تعريضه للسجن. كانت لحظات صعبة على قلبي حينما ارى اخي أسيرا لهذه السموم ولم يكن باستطاعتي ان افعل له شيئا. وكلما رأيت وجهه المسود تذكرت أيامنا في الشباب في كنف والدي وكيف كان وجه (فهد) يشرق لي بالابتسامة والعطف والحنان وكلما تذكرت الأيام الجميلة في الاخوة والصفاء تجددت بي هذه المواجع. وقررت اخيرا البحث عن حل وعلاجه من هذه السموم التي أهلكته ودمرت اسرتنا مهما كان الثمن. وبعد عدة محاولات وضغوط دللته على المستشفى. بداية محاولة العلاج يقول احد الاخصائيين العاملين في المجمع الطبي ان (علي) قام بالتنسيق مع وحدة الأمان الأسري بالمجمع الطبي لطلب العلاج والمساعدة لأخيه. وبالفعل تم التوصل اليه وبعد اجراء التحاليل المخبرية له ثبت انه يتعاطى مادة الهيروين المخدر وعلى الفور اخضع (فهد) لبرنامج علاجي مكثف لمدة أسبوعين وبعدها طلب منه المستشفى مواصلة برنامجه التأهيلي خارج المستشفى واستمر فترة مداوما على الحضور ومتابعة العلاج. الا انه بعد ذلك بدأ في التغيب عن مواعيده واختفى نهائيا وحين اخبرنا (علي) عن اختفاذه وعدم التوصل اليه وأن احتمال عودته للإدمان نتيجة متوقعة لعدم القدرة على الوصول اليه لمساعدته. المعاناة تعود من جديد وبسبب تغيب (فهد) عن مواصلة علاجه وغيابه عن المنزل قرر شقيقه (علي) البحث عنه واعادته للبرنامج العلاجي. وفي احدى الليالي وعلي يراقب المواقع التي كان يتردد عليها شاهده قرب احدى الاستراحات وهي احد أوكاره المعتادة التي كان يمارس فيها تعاطي المخدرات، يروي (علي) القصة ويقول: «حينها عرفت ان الموضوع اكبر من قدرتي فقد وصلت الى منعطف لا ينفع فيه التريث فقررت الاتصال بالسلطات الأمنية لمواصلة علاجه. وبالفعل حضروا للمكان وتم نقله الى المستشفى» ومن ذلك اليوم بدا (فهد) في الشجار المتواصل مع أخيه الذي «وشى» به بحسب رأيه ودبت الخلافات وأخذ يهدد (علي) متوعدا اياه بالقتل. وعلى الرغم من محاولات العلاج الا ان كل الجهود ذهبت سدى فكلما خرج انتكس وعاد. اللجوء الى المحكمة حرص (علي) على تجميع ما بقي لهما من مال وأملاك فتقدم برفع قضية على شقيقه (فهد) لدى المحكمة يطالب بفسخ الوكالة الشرعية حفاظا على أموالهما التي بدأت تنقص يوما بعد يوم في سبيل المخدرات. وحكمت المحكمة بفسخ الوكالة الشرعية وحينما علم شقيقه (فهد) استشاط غضبا وهدد مرة اخرى بقتل أخيه الذي حرمه من المال من اجل المخدرات. النهاية مثل اية نهاية ماساوية تكتبها سموم المخدرات كانت نهاية هذه الأسرة التي شتت المخدرات شملها، فهنا شاب في شكل رجل كهل استسلم للشيطان وإدمان المخدرات ويرفض وأم عجوز اقعدها المرض وشاب يصارع لبناء وترميم بقايا تجارة كانت رائجة في مواجهة عيون أمه الحزينة وتهديدات أخيه التي قد ينفذها تلبية لنداء شيطان المدرات.