تواصل آفة المخدرات اللعينة استقطاب أعداد ليست قليلة من المجتمع ، وربما الاقتراب من هؤلاء الذين انزلقوا إلى « الهاوية » تكشف لنا عن تفاصيل غاية فى الخطورة ، وقد تكون هذه الأسرار التي يكشفها هؤلاء بمثابة «جرس إنذار» ينبه هؤلاء الذين انزلقوا إلى هذا المستنقع وينتظرون « طوق نجاة » ينتشلهم قبل فوات الأوان ، التقت « اليوم» مع اثنين من المدمنين والمروجين اللذين كشفا تفاصيل مثيرة عن رحلة الإدمان ، الأول أطلق على نفسه رمز (ح.ج) والآخر برمز (م.س) - حيث استطاع الأول أن يتعافى من إدمان المخدرات منذ 8 سنوات تقريباً والآخر وصف نفسه بأنه كان في مرحلة «الانتكاسة» وبدأ يصحو منذ 3 أشهر، وتحدثا عن هذه التفاصيل في عالم المخدرات المليء بالأشواك مؤكدين أن عدم رحمة المجتمع لهم جاءت بسبب عدم وجود الثقة في الوعود، كما أن أماكن التعاطي كانت أقذر الأماكن وإلى تفاصيل الحوار.... بداية الطريق صف لنا بدايتك مع هذا الطريق المظلم ؟ يقول (ح.ج): بدايتي في مشوار المخدرات كانت منذ أن كان عمري 18 سنة وكانت تخوضها «التجربة وحب الاستطلاع»، حيث أولى الخطوات كانت عن طريق «التدخين» ثم «الحشيش»، واستمر الوضع إلى أن وصل إلى «الخمر» حتى أصبح عمري 25 سنة ومن ثم ذهبت لأنواع أخرى من المخدرات كالهيروين. ويُضيف (م.س): كنت أتعاطى منذ أن كان عمري 18 سنة، حيث أنني بحثت عن شخصيتي وجهل المجتمع وللأسف كان خالي يتعاطى وكنتُ أراه ذا شخصية قوية وأريد أن أكون مثله فسلكت منهجه، وبالماضي فإن الشخص الذي كان يتعاطى في ذلك الوقت هو الشخص البارز وراعي السمعة والجماهيرية والشخصية البارزة وكنت أبحث عن كل تلك المقومات بحكم «نقص « في شخصيتي كان موجوداً لديّ واستمرت تلك المعاناة حتى أصبح عمري 47 سنة، حيث كانت لدي مشكلة عاطفية، وجدت أن البحث عن الحل من ( الحشيش ) وأصبحت مبدعاً في دور البطل الشجاع، وبعد مدة من الزمن فالشخص الذي أعطاني الحشيش هو نفسه من سلمني مادة ( الهيروين ) وكنت أمنعه بحجة أنني أعرف أن متعاطي هذه المادة متعب جداً منها، ولكنه أقنعني بقوله «تشوفني أنا تعبان ؟» وبهذا أعطاني مبرراً كافياً لتعاطي المادة وهنا بدأ الانحدار حيث أن مادة الهيروين أسرع من أي مادة أخرى في مفعولها. أصحاب السوء من هم أصحاب التأثير السلبي والذي جعلك تدخل في هذه الدوامة ؟ (ح.ج): هم يقولون أن مسماهم «أصحاب السوء» لكن على أرض الواقع كل إدمان هو من الذات وليس أصحاب السوء، ففي عمر ال 18 سنة يكون أمراً جديداً وإثبات للذات بالرجولة - في اعتقادي بذلك الوقت - ولطالما أنا لم أذهب إليهم فلن أجد أحداً يأتي إليّ، وهاأنا بعيدا عنهم ولا أرى أحداً جاءني، « لن أجد أحداً يطرق بابي ويقول لي تعال لديّ مخدرات تعال تعاطى ! « ولكن لو أنا ذهبتُ إليه سيفتح لي بابه، فاللوم يقع على نفسي وليس عليهم. الغريب أنه لم يكن هناك مشاكل مع أسرتي، وكنت أعتقد أنهم لايعلمون شيئاً ولكن حينما أسترجع بذاكرتي الآن أعتقد أنهم يعلمون ولكنهم لايتكلمون، بالإضافة إلى أنه كان في البداية مرحلة ( كيف ومزاج ) ولم يكن مسيطراً على حياتي وأسرتي وذاتي إلى أن دخلت لعالم الهيروين. (م.س): المجتمع يجهل كيف يتعامل مع المدمن، حيث أنني أجهل ماهي المشكلة التي أواجهها، ذهبت إلى مكة للعمرة ومنها كنتُ أنوي وبخضوع وضمير أنني لن أعود ولكن لمجرد عودتي للعالم الذي كنت فيه أنسى كل تلك الوعود، فتغيير المكان ليس سبباً للتعافي لأنني أحمل المرض معي في كل مكان. غالية هي المخدرات، صحيح ؟ (ح.ج) : كانت قبل 15 سنة صحيح ولكن في الوقت الحالي نستطيع وصف رخصها «برخص التراب» ونستطيع أن نوفرها بمصروف الجيب، فالشاب في عمر 18 سنة يستطيع الحصول عليها من مصروف جيبه اليومي يستطيع الحصول على المادة المخدرة، وهذه أحد الأسباب القوية لانتشار المخدرات بالشكل الكبير. وقد يكون السبب في ذلك لتوفرها ولعامل آخر أنها قد تكون مغشوشة. حدثنا عن عائلتك ؟ (ح.ج): متزوج ولدي 6 أبناء، 3 ذكور و3 إناث أكبرهم عمرها 25سنة وأصغرهم في صف أول متوسط، وعاطل حالياً. (م.س): أنا لي من الأخوان 6 وأنا منتصفهم، عزوبي وقدمتُ استقالتي من الشركة التي كنت بها لانضمامي بالمستشفى والخضوع لبرنامج للتعافي.
12 مرة خلف القضبان ماذا عن الأسرة؟ (ح.ج): الغريب أنه لم يكن هناك مشاكل مع أسرتي، وكنت أعتقد أنهم لا يعلمون شيئاً ولكن حينما أسترجع ذاكرتي الآن أعتقد أنهم يعلمون ولكنهم لا يتكلمون، بالإضافة إلى أنه كان في البداية مرحلة (كيف ومزاج) ولم يكن مسيطراً على حياتي وأسرتي وذاتي إلى أن دخلت لعالم الهيروين ومن هنا بدأ الانحدار السريع. (م.س): بالنسبة لي طبيعي أن تشعر أسرتي، ولكنني كشخص مدمن جيّد في التمثيل واتملّص وأصبحت خالي العلاقات لا يوجد حولي أحد والسبب هو كثرة الوعود والخلل الموجود وبالتالي عجزوا معي، لأنني لم أنفع نفسي وهم حاولوا منفعتي، ولم تقتصر المساعدة بأسرتي فقط ولكن كل من كان حولي، فأخي مثلا ذهب بي إلى مكافحة المخدرات رغبة منه في مساعدتي. تعاطي وسرقة كم مرة قادتك المخدرات لخلف قضبان السجن والقضايا المماثلة؟ (ح.ج): دخلت السجن حوالي 12 مرة، بسبب تعاطي وسرقات ومن هنا بدأت المشاكل مع زوجتي وأبنائي وأسرتي وكنت ضائعاً في الشوارع وأصبحت حياتي كلها في ضياع، وللعلم فإن كل هذه المرات كنتُ أدخل بها للمستشفى للعلاج ولكن لم أحصل على الفرصة الصحيحة إلا في المرة ال 13 وهي التي نجحتُ بها.
نصائح لآباء وأمهات المدمنين وحول الرسالة التى يمكن أن يتقدموا بها الى المدمنين، جاءت الاجابة كالتالي: (م.س): رسالتي للآباء والأمهات، فالأساس يكمن لدى الأسرة ولطالما لم تجد الاحتواء من داخل المنزل فهنا تبدأ المشاكل التي لا تحمد عقباها، يجب ان ينزل الوالدان إلى مستويات الأبناء وحسب أعمارهم وعقلياتهم والبعد عن التعالي والنظرة الفوقية كما أن المثل الذي يقول (لا تكن قاسياً فتكسر ولا ليناً فتعصر) ينطبق على الجيل القديم، وليس الجيل الحالي. (ح.ج): لم تنجح المرة ال 13 إلا لرغبتي في أن أعيش «حياة نظيفة»، أريد أن أرجع «إنسانا» وكنت دائماً أفشل وأحاول وهكذا إلى أن نجحت ولله الحمد. اشرح لنا جملة كررتها كثيراً (المجتمع لم يستقبلني)؟ (ح.ج): المجتمع لم يثق في لأنني وصلت لمرحلة ذهبت بها الثقة أدراج الرياح، لا زوجة ولا أم ولا أب ولا حتى أخ، بسبب وعودي الكثيرة وحلفي المتكرر على المصحف الشريف وأقسمت ولكن ضاعت الثقة. (م.س): مجرد تواجدي مع أشخاص يربطني بهم سلام حار وعلاقة حميمة فبهذا أنا أخضعت نفسي إلى سلوكياتهم، ومن غير المعقول أن أكون موجوداً معهم ك «متعاف» حيث إنه شخص نشط ومادتي موجودة لديه، ومرضي أيضاً معه، ومن الغرابة أنني كنت في حلقة مابين (المدرسة والمنزل) فقط، هذا وأنا كنت في مرحلة التعاطي والإدمان، بل والأغرب أنني كنت الأول على زملائي في نفس المرحلة التي كنت أدرس بها ولكن كل ذلك لا يُفيد طالما النفسية كانت متعبة والعزلة والانطوائية مسيطرة على حياتي، الإنكار والتحفظات موجود.
يسرق ابنته لشراء المخدرات ويتوجَّه للتسول يروى أحد المدمنين تجربة قاسية تعرَّض لها خلال رحلة المخدرات حيث يقول (ح.ج): الموقف الذي لم ولن أنساه طوال حياتي وجعل مني طاقة كبيرة ورغبة في التعافي.. في يوم من الأيام كانت ابنتي دائماً تجمع مصروفها اليومي لعمل جمعيات وفي يوم من الأيام صحوت من نومي أرغب في التعاطي ولا أملك مالاً، وكنتُ على علم بأن ابنتي تمتلك مبلغاً من المال وقمت بكسر الصندوق الذي تحتفظ به وهربت وبعد أن انتهيت من التعاطي رجعت للمنزل ووجدتها تبكي، لفقدانها المبلغ الذي كانت تجمعه من الناس لعمل الجمعية ومنذ أن رأيتها بتلك الحالة هربت، إلى أين وكيف؟ لا أعلم .. وجدتُ نفسي فجأة في الأحساء ونمت في محل أستطيع وصفه «بالخرابة» وكان ذلك الوقت في شهر رمضان المبارك، وذهبت للأحساء اعتقادا أنني إذا قمت بالتسوّل هناك فلن يعلم عني أحد ولم يكن تسوُّلي إلا لأنني أريد أن أجمع مبلغاً للحصول على المادة المخدرة من جديد، وفجأة رجعت إلى مستشفى الأمل عام 1424ه، وأنا مازلت متعاطياً ولكنني نشيط، ومنذ ذلك الوقت وأنا ولله الحمد أصبحت سليماً حيث قضيت عاماً في المستشفى للعلاج من الإدمان وتخلله قضايا كانت علي وبالتالي قضيتها في السجن لمدة أشهر ورجعت للمستشفى مرة أخرى، وأحمد الله أنني لم أضعف جراء هذه الظروف الصعبة التي مررت بها. (ح.ج) يتحدث ل «اليوم»
التعاطي بالأماكن المهجورة وداخل حاويات القمامة ماهي الأماكن المفضلة لديك حين تتعاطى المخدرات ؟ (ح.ج) : في أماكن مهجورة، مبان قيد الإنشاء، داخل حاويات النفايات الخاصة بالشارع، دورات المياه... أي مكان لايهمني إنما الحصول على المادة المخدرة هو الأهم بالنسبة لي في ذلك الوقت وبأي طريقة كانت. ماهي الأساليب التي قمت بها للحصول على المادة المخدرة؟ (ح.ج): سرقت ونهبت ولايعني ذلك داخل محيط أسرتي فقط، بل بأي شيء أمامي أهم شيء أحصل على المبلغ بسيطا كان أو كبيرا. ماذا خططت لمستقبلك؟ (ح.ج) : لكل شخص متعاطي يجب أن يحمل رسالة توضح بها تجربته ونتائجها وبالمقابل تعافيه ونتائجه، وها أنا أتمنى أن أجد الدعم لمشروعي في الانتهاء من إجراءات جمعية خيرية لمساعدة المدمنين على التعافي وتخطي هذه المصيبة والطرق السليمة لحلها أسرياً واجتماعياً وذاتياً. (م.س) : لابد أن أضع أهدافا قريبة المدى أو بعيدة، وأتمنى بها تحقيق تلك الأهداف. كيف وجدت حبل التواصل بين زمنين مختلفين (قبل التعافي من الإدمان وبعده)؟ (ح.ج) : أعبر عنها بجملة (وجدتُ حياتي)، آخر مرة دخلت بها مستشفى الأمل لرغبتي بالعلاج كانت قبل 8 سنوات تقريباً، ولعدم وجود إجراءات قبل ذلك الوقت والتي تساعدك على تقوية نفسك ورغباتك بترك المخدرات فلن تجد فائدة بالدخول للمستشفى، وبالتالي إمكانية الرجوع للتعاطي أمر متوقع جداً، ولكن منذ 8 سنوات دخلت في برنامج للعلاج من الإدمان وبدأت برغبتي وجهود القائمين على البرنامج أن أتماسك بكل مالديّ من قوة وشيئاً فشيئاً حتى تحسن الوضع مع أسرتي وأبنائي. يُضيف (م.س): لامجال للمقارنة والأمر شتان بين الإدمان والانتكاسة وبين محاولة التعافي حتى الآن.