قبل 14 شهرا من موعد انتخابات الرئاسة المقبلة في الولايات المتحدة ينشغل المرشحون الديمقراطيون والرئيس الأمريكي جورج بوش فيما يبدو بأكل الفطائر ورمي كرات البيسبول وجمع أصوات الناخبين. ويبدو أن التحديات العنيفة في حرب العراق كادت تغطي على النجاح الذي حققته الولايات المتحدة في أفغانستان في أعقاب هجمات 11 سبتمبر. وخفت حدة الذعر الذي ساد في ذلك اليوم ليصبح مجرد مخاوف مستمرة ولم يعد يحتل درجة كبيرة من الاهمية في أذهان الناخبين الذين يسعون للحصول على فرص عمل والخروج من حالة الكساد الاقتصادي. وسط كل ذلك يقوم وزير العدل الامريكي جون أشكروفت بجولة في البلاد بحماس من وصل إلى آخر محطة في حملته الانتخابية يزور خلالها 18 مدينة في 16 ولاية، وتعتبر حاسمة بالنسبة لاعادة انتخاب بوش. والسبب هو أن الشعب الامريكي الذي تمكن من استعادة هدوئه خلال العامين الماضيين أصبح يتساءل بصورة متزايدة عما إذا كان الوعد بمزيد من الامن في البلاد يستحق ما يضحي به في مجال الحقوق الفردية. ومثار الجدل هو القانون الذي أقره الكونجرس الامريكي على عجل بينما كان الدخان مازال يتصاعد من أنقاض مبنى مركز التجارة العالمي. ويقول معارضو القانون إنه ينتهك الحقوق الاساسية مثل حرية التعبير ويخالف مبدأ توضيح المحققين "السبب المحتمل" قبل أن يشرعوا في التنقيب في الحياة الخاصة للافراد. وانضم نصف الجمهوريين إلى الديمقراطيين في مجلس النواب لتأتي نتيجة التصويت في المجلس موافقة 309 من الاعضاء مقابل رفض 118 عضوا على إلغاء بند في القانون يسمى"التسلل والتلصص" يسمح لضباط مكتب التحقيقات الاتحادي بالتفتيش دون إبلاغ مالك المكان على الاطلاق. ويتعين الحصول على موافقة مجلس الشيوخ أيضا لالغاء هذا البند من القانون. وما يثير قلق أشكروفت بدرجة أكبر هو ما أصدرته 155 بلدة ومدينة مثل سان فرانسيسكو وبالتيمور وفيلادلفيا وديترويت وثلاث ولايات هي هاواي وآلاسكا وفيرمونت من قرارات استهدفت بندا آخر في القانون. واصدرت الهيئات التشريعية في تلك المدن والولايات أوامر إلى أمناء المكتبات العامة بتدمير سجلات مستعيري الكتب وطالبت أجهزة الشرطة بعدم تقديم أي مساعدة لضباط إدارة الهجرة الاتحادية كما تطالب الكونجرس بتعديل القانون. واعتقل في روالبندي بباكستان خالد شيخ محمد الذي يقال انه نجا من هجمات الحادي عشر من سبتمبر، واعتبر اعتقاله نجاحا هائلا في الحرب على الارهاب. ويحتل محمد المرتبة الثالثة في قيادة القاعدة بعد ابن لادن وكبير مساعده أيمن الظواهري. وبعد ثمانية عشر يوما نقلت الولايات المتحدة المعركة إلى أعدائها كما فعلت في أفغانستان في أكتوبر عام 2001، وبرر الغزو البريطاني الامريكي للعراق بأن نظام حكم صدام حسين الذي زعمت واشنطن أنه يرتبط بتحالف مع تنظيم القاعدة يمثل"تهديدا وشيكا". ثم خفت حدة الهجمات واسعة النطاق التي يشنها المتطرفون الاسلاميون في أعقاب هجوم مومباسا حتى وقعت ثلاث هجمات انتحارية على مجمعات سكنية يقطنها رعايا غربيون في الرياض. وبعد أربعة أيام فجر 12 مهاجما انتحاريا في الدار البيضاء بالمغرب عبوات ناسفة محلية الصنع كانت موضوعة في حقائب محمولة على الظهر في خمسة مواقع منفصلة جميعها أهداف غربية. وأسفرت الهجمات التي تردد أن لها صلة بتنظيم القاعدة عن مقتل 32 شخصا. ومرة أخرى في جنوب شرق آسيا تعرض فندق ماريوت في العاصمة الاندونيسية جاكارتا لهجوم انتحاري نفذه إندونيسي بشاحنة محملة بالمتفجرات. ولقي 12 شخصا حتفهم وأصيب نحو 150 آخرين في الهجوم الذي وقع في الخامس من أغسطس. وبعد أيام اعتقل كبير المسئولين عن العمليات في الجماعة الاسلامية في المنطقة المعروف باسم حنبلي في تايلاند. واعتبر الزعماء الغربيون اعتقال حنبلي الذي تصفه وكالة المخابرات المركزية الامريكية (سي.أي.ايه) بأنه "أسامه بن لادن جنوب شرق آسيا" ضربة قاصمة للارهاب في المنطقة. ولكن الانتصار لم يدم طويلا. ففي العراق وجهت شاحنة محملة بقذائف وقنابل وأنواع أخرى من الذخائر خاصة بالجيش العراقي السابق نحو مقر الامم المتحدة في بغداد حيث فجرت، وأسفر الانفجار الهائل عن مقتل ما لا يقل عن 23 شخصا وإصابة أكثر من 80 آخرين في 19 أغسطس الماضي. وجاء ذلك الهجوم في أعقاب عمليات تخريب تعرضت لها خطوط أنابيب النفط والمياه وهجوم انتحاري آخر بسيارة ملغومة أمام السفارة الاردنية في بغداد أسفر عن مقتل 16 عراقيا قبل ذلك بأسبوعين. وبعد ذلك وفي أعقاب صلاة الجمعة في 29 أغسطس الماضي بمدينة النجف في العراق انفجرت سيارتان ملغومتان مما أسفر عن مصرع 8 3 شخصا على الاقل وإصابة أكثر من 170 آخرين. ويقول المسئولون والمحللون إن العراق أصبح بصورة متزايدة خط المواجهة في الحرب على الارهاب حيث تتردد أنباء عن تدفق المجاهدين عبر حدود العراق سهلة الاختراق لقتال القوات التي تقودها الولايات المتحدة. ويقول كليف وليامز مدير دراسات الارهاب بالجامعة الوطنية الاسترالية إنه لا يوجد نقص في المجندين وان (تنظيم القاعدة) تطور بحيث جعل نفسه هدفا أكثر صعوبة لاجهزة المخابرات. ويقول المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إن تنظيم القاعدة يضم أكثر من 18 ألف عضو مدرب في انتظار صدور الاوامر إليهم لتنفيذ عمليات انتحارية. ويشير معظم خبراء الارهاب إلى أن القضاء على تنظيم القاعدة سيكون عملية طويلة وشاقة. ويقول روهان جوناراتنا الباحث في شئون الارهاب المقيم في سنغافورة إن "التحالف متعدد الجنسيات لم يبدأ بصورة جدية في محاربتهم (الارهابيين) إلا بعد الحادي عشر من سبتمبر، وكان نشاط القاعدة قد بدأ قبل ذلك بعشر سنوات ومن ثم فإن المعركة بدأت لتوها". ولكن البعض في الولايات المتحدة ودول أخرى يشككون في الاسلوب الذي تدار به الحرب على الارهاب. وقال الكاتب ديريك زد. جاكسون في عموده بصحيفة بوسطون جلوب إن أمريكا منغمسة منذ عامين تقريبا في عمليات الغزو التي قتلنا فيها من المدنيين في العراقوأفغانستان أكثر ممن لاقوا حتفهم في الولايات المتحدة في 11 سبتمبر. وأضاف "ورغم ذلك لم نعثر على أسامه أو على صدام أو على أسلحة الدمار الشامل أو على مصانع الاسلحة النووية ولم نحقق السلام". وتمثلت إحدى النتائج الاخرى للحرب في تعدي كثير من الدول على الحريات المدنية في إطار الاجراءات الصارمة التي تتخذها ضد المعارضين. وتقول الكاتبة ناعومي كلاين إن"حكومات إندونيسيا وإسرائيل وأسبانيا وكولومبيا والفلبين والصين تعلقت بحرب السيد بوش على الارهاب وتستغلها في القضاء على معارضيها وتشديد قبضتها على السلطة". وسواء وصف المدنيون الذين يحاصرون وسط النيران بأنهم أهداف "سهلة" أو "خسائر غير مباشرة" فإنهم مازالوا يدفعون الثمن الاكثر فداحة. ومنذ تفجيرات بالي في أكتوبر 2002 قتل المتشددون الاسلاميون أكثر من 300 مدني وأصابوا قرابة ألف آخرين. وبالنسبة للغزو الذي تقوده الولايات المتحدة للعراق فلا يوجد أي إحصاء ر سمي لعدد القتلى. وقدرت مجموعة أبحاث تدعى "العراق بودي كاونت" أو عدد الجثث في العراق عدد الضحايا من المدنيين بما بين ستة آلاف و7800 شخص وأن أكثر من 20 ألفا آخرين أصيبوا بجراح. وكثيرا ما كتب الباحث الباكستاني إقبال أحمد الذي التقى ب ابن لادن قبل وفاته عام 1999 عن الارهاب الاسلامي. وقال أحمد "حاولوا بحث الاسباب وحل المشكلات. لا تركزوا على الحلول العسكرية. الارهاب مشكلة سياسية فابحثوا عن الحلول السياسية".