ثمانية وأربعون مليون دينار عراقي تسرق من أحد المصارف البغدادية في وضح النهار ولا أحد يتدخل.. سيدة توقف سيارتها البي أم دبليوا في وسط السوق الداخلي ببغداد ويتم سرقتها ولا أحد يتصرف.. وتاجر الثريا يحمل أجهزته على مقربة من هذه الحوادث ويحاول ابتزاز العابرين عبر الخدمات التي يقدمها.. هكذا كانت العاصمة العراقية، النهب والسرقة في الشوارع والناس يخافون التدخل ف(النهابة) يمتلكون أسلحة متطورة ورشاشات يمكن أن تنطلق في وجه أي مقاوم.. هكذا انعدم الأمن في المدينة التي كانت تخاف من الظلام ذات يوم. إضافة إلى التخريب والحرق تجد بأن المظاهر أصبحت مختلفة عن السابق. وخلال يوم واحد من وجودنا في بغداد رصدنا الكثير من مظاهر الدمار التي حدثت بالعاصمة العراقية حيث دُمرت وحُرقت وزارات كثيرة، منها وزارة الإعلام والتخطيط والتجارة، وشاهدنا الكثير من المصالح الحكومية التي تم حرقها وتم تسوية بعضها بالأرض؛ فمبنى الأسواق المركزية بشارع 28 موسان تمت تسويته بالأرض، ودائرة السينما والمسرح تم نهبها وحرقها أكثر من مرة، ومبنى دائرة الجنسية تم حرقه مرتين، وعبث الأطفال بالهويات والأوراق الثبوتية. رصدنا كل هذا الدمار الذي حل بالعاصمة العراقية بغداد رغم صعوبة السير فيها بسبب اختفاء إشارات المرور وإغلاق الأمريكيين لأكثر من طريق؛ وهو ما أدى إلى تكدس السيارات وسط بغداد، وأصبح المرور في الشارع الواحد يستغرق أكثر من ساعة. ورغم ذلك فمحاولات إنقاذ بغداد من الفوضى وعمليات السرقة والنهب تمضي حثيثا بأيدي أهلها الذين بدأوا يشكلون مفارز مسلحة يحاولون من خلالها إيقاف اللصوص ومصادرة المسروقات وتسليمها إلى المساجد القريبة التي شكلت مراكز لإعادة المسروقات. ورغم أن هؤلاء الشباب يواجهون صعوبة بسبب الدوريات الأمريكية التي تعتقل كل من تجد لديه سلاحًا فإنهم ابتكروا طرقًا تمكنهم من إخفاء السلاح عندما يشاهدون الدبابات الأمريكية التي تمر في شوارعهم. علق أحد الشباب الذي يشارك في إحدى نقاط التفتيش والذي رفض ذكر اسمه قائلاً: لا بد أن ندبر حالنا بأنفسنا، وأن نحمي الممتلكات العامة؛ لأننا إن لم نفعل ذلك فسوف تنتهك حرمات بيوتنا على أيدي الأمريكيين واللصوص، وأضاف: الأمريكيون هم المستفيدون من هذا الوضع؛ فكل دمار يحققونه يعني ارتفاع عائدات شركاتهم من عقود الإعمار، وواجبنا أن نوقف استنزاف ثرواتنا. ومن الجدير بالذكر أن دوريات قليلة من الشرطة العراقية تتواجد داخل بغداد لا يتجاوز عدد أفرادها 700 فرد ولا يحملون أي أسلحة، وإنما يعملون بمساعدة أمريكية لحفظ الأمن الذي غاب عن بغداد. ورغم حرارة الطقس البغدادي ولهيب الشمس الحارقة والغبار في بعض الأحيان وربما احتمالية إنفجار قنبلة أو صاروخ لم تمنع الكثيرين من ممارسة مهنة تفكيك مخلفات الحرب من آليات تركت في الشوارع وتكدست في بعض الحارات.. وعلق أحدهم بأن الإنفجار قاس ولكن الجوع أكثر قسوة.. وهذه الآليات ليست للإمريكان لهذا علينا الإستفادة منها - هكذا كان يعلق جاسم العبيدي - قائلا ماذا فعلت أمريكا لنا حتى الآن.. سرقت نفطنا.. سرحتنا من أعمالنا وقطعت كهربائنا.. والمشهد الذي امامنا هو جرائم ومخدرات في الشوارع.. ويريدون أن يستولوا على هذه الخردة كي يبيعوها ويستفيدوا منها.. لن نجعلهم يستمتعون بذلك إنها لنا.. ينتظر نصيبه من الخردة من مخلفات الحرب