لايمكن ان تمر بسهولة جريمة بل فضيحة بل مؤامرة العدوان على ذاكرة العراق لتحطيمها من خلال سلب ونهب وحرق المتحف الوطني العراقي الذي حوى مجموعة هائلة ونادرة من اثمن كنوز الدنيا الاثرية. يحتوي العراق في متاحفه وفي اكثر من عشرة آلاف موقع اثري على كميات هائلة من القطع الفنية التي تشهد على فصول عريقة في التاريخ كتبت في بلاد ما بين النهرين. خسارة للبشرية واعربت شخصيات ومؤسسات عدة في العالم عن قلقها العميق لوضع الآثار في العراق, سواء في المتحف العراقي الذي نهبت محتوياته وحطمت في بغداد او في المواقع الاثرية الكثيرة في مناطق العراق كافة, ومن الصعوبة الآن احصاء ما سرق او حطم والمحافظة عما بقي سالما من الآثار العراقية التي تعتبر من الاقدم في العالم وتعني الارث المشترك لجميع البشر. وفضلا عن الآثار, تم نهب المكتبة الوطنية وحرقها بما تضم من محتويات, خصوصا المخطوطات والارشيف الوطني, كما شوهدت عمليات تحطيم ونهب للوحات وتماثيل حديثة ربما سرقت من المتحف الوطني للفن الحديث او من مركز صدام للفنون او منهما معا, ولم ترد انباء عن مصير مكتبة الاوقاف التي تضم نسخا قديمة نادرة من مخطوطات القرآن الكريم. وكان متحف ثان في الموصل قد نهب ايضا كما اشعلت النيران في المكتبة الاسلامية في بغداد والتي تضم مخطوطات اثرية من بينها واحدة من اقدم النسخ الموجودة في القرآن الكريم. الخميس العصيب استاذ الآثار في جامعة بغداد الدكتور مؤيد الدامرجي قال وهو يقف بين ما تحطم في المتحف الوطني العراقي: ان ضياع الآثار التي كانت شاهدا على تطور الجنس البشري يعد خسارة لا يمكن تقدير حجمها والامين العام للامم المتحدة كوفي عنان وصف نهب وتدمير الموروث التاريخي العراقي في بغداد بانه جرح اصاب البشرية جمعاء داعيا تجار الآثار والشرطة الدولية (الانتربول) الى العمل على منع تداول الآثار المسروقة. وحث الجميع على اعادة ما نهب وسرق والى حماية المواقع الاثرية والدينية في العراق. وكانت جمعيات مهتمة بالتراث والآثار ومنظمة اليونسكو قد ذكرت انها زودت المسؤولين الامريكيين بمعلومات عن التراث الثقافي والمواقع الاثرية في العراق قبل اندلاع الحرب. وعقد في مقر منظمة اليونسكو في باريس اجتماع حضره علماء آثاريون ومتخصصون في شؤون المتاحف وخصص لمناقشة الآثار المترتبة على عمليات النهب والسلب التي تعرضت لها بعض المتاحف والمكتبات العامة ومراكز التوثيق والارشفة في العراق. الى ذلك عبر مسؤولون في المكتبة الوطنية في باريس عن استعدادهم للمساهمة في اعادة بناء وترميم المكتبات الوطنية العراقية التي تعرضت الى التخريب. واعتبرت جهات ثقافية فرنسية يوم الخميس الذي وقعت فيه اعمال نهب وسلب المتحف العراقي بعد سقوط بغداد على ايدي القوات الامريكية بانه يوم الخميس العصيب. نهب محترفين وفي باريس قال خبير آثار عراقي ان عمليات النهب التي تعرض لها المتحف العراقي خلال الايام الماضية التي تلت سقوط العاصمة العراقيةبغداد بأيدي القوات الامريكية هي عمليات منظمة نفذها اشخاص محترفون وقال عالم آثار عراقي كان شاهدا عندما بدأت عمليات نهب المتحف العراقي انه اتصل بالقوات الامريكية التي كانت ترابط على خطوات من بناية المتحف طالبا منها المساعدة في وقف عمليات النهب لكن هذه القوات رفضت التدخل متذرعة بالقول انه ليس من مهمتها حماية المتاحف. وذكر عالم الآثار العراقي محسن كاظم في مقابلة معه نشرتها صحيفة لوفيغارو الفرنسية ان عمليات نهب المتحف العراقي كان يشرف عليها افراد محترفون كانوا يعرفون ما يريدون سرقته وذكر كاظم في تفاصيل روايته ان المجموعات التي هاجمت المتحف الوطني العراقي ونهبته كانت مكونة في معظمها من اناس فقراء غير متعلمين كانوا ينهبون بطريقة عشوائية كل ما يقع تحت ايديهم ولكن كان بينهم مجموعة من الاشخاص تبدو على سيمائهم مظاهر النعمة وهؤلاء هم الذين كانوا يصدرون الاوامر وكانوا يعرفون بالضبط ما المقتنيات التي يريدون نهبها واماكن وجودها كما لو انهم قد تهيأوا, على ما يبدو, منذ فترة لعمليات النهب هذه. واضاف عالم الآثار العراقي في شهادته ان هؤلاء الافراد المحترفين الذين كانوا يشرفون ويوجهون عمليات النهب داخل المتحف العراقي كانوا قد زودوا بعض النهابين بآلات مخصصة لفتح الخزانات وساعدوهم ليس فقط على نهب صالات المتحف ولكن على كسر الجدران الموصلة الى الكهوف التي تحتوي على لقى اثرية عديدة وبمبادرة من المدير العام لمنظمة اليونسكو الدولية كوشيرو وماتسيورو يجتمع اليوم اكثر من ثلاثين من العاملين في تنقيب الآثار ومتخصصين في الآثار العراقية ومسؤولين في متاحف دولية لدراسة الاجراءات العاجلة التي يتوجب القيام بها لتطويق عمليات النهب والسلب التي تعرضت لها المتاحف العراقية. وقالت مصادر في منظمة اليونسكو ان اللقاء المذكور سيتم خلف ابواب موصدة. وابدى مسؤولون في المكتبة الوطنية في باريس استعدادهم لتقديم ما يلزم من خدمات لاعادة تأهيل المكتبات العراقية التي تعرضت الى النهب خلال الايام الماضية. وعبرت مسؤولة المخطوطات الشرقية في المكتبة ماري جنفيف غيدسون لوكالة يونايدبرس انترنشنال عن رغبة المسؤولين في المكتبة الوطنية بتقديم ما يطلب منهم من اجل اعادة تأهيل المكتبات العراقية التي تعرضت للتخريب. النفط أولا وانتقد وزير الثقافة والاتصال الفرنسي جان جاك اياغون القوات الامريكية والبريطانية لعدم حمايتها المتحف الوطني العراقي ومكتبة بغداد من السرقة والنهب والحرق, واكتفائها بحماية آبار النفط. وفي مقال نشرته صحيفة (لوفيغارو) الفرنسية تحت عنوان (النهب الشائن) قال اياغون في ظل فرقعة السلاح وفلتان آلة حرب الائتلاف (الامريكي البريطاني) عبر العديد منا عن قلقه على مصير التراث الثقافي العراقي, وذكرنا بان كل الحضارات التي ورثناها قد امتزجت هناك ما بين دجلة والفرات, ان لم تنبع من هناك. واضاف اياغون ان الحرب انتجت مواكب من القتلى والجرحى والدمار, وهي تفتح مستقبلا غير مأمون حتى الآن للشعب العراقي. فهل ستكمل هذه الحرب ما قام به (الرئيس) صدام حسين في نهب ماضي هذا الشعب؟ وهل كان من الضروري اضافة الكارثة الروحية على الدمار المادي والقلق الاخلاقي؟ انه من الصعب القبول بعدم تمكن قوات الائتلاف الامريكية والبريطانية من استشراف عمليات النهب والسلب التي وقعت ومنعها رغم تحذيرات الجامعيين والعلماء وعلماء الآثار الامريكيين. وتابع اياغون قائلا: ان انقاذ الكنوز الروحية والثقافية العراقية بالمشاركة الكاملة للاسرة الدولية يشكل بالنسبة للامريكيين والبريطانيين احد افضل الاشارات عن ارادتهم الصادقة لمواكبة العراق نحو الحرية والالتزام باعادة بناء هذا البلد. انه اشارة اقوى بكثير لمواكبة العراق نحو الحرية والالتزام باعادة بناء هذا البلد. انه اشارة اقوى بكثير من حماية آبار النفط فقط. واعلن الوزير الفرنسي عن رغبته في المشاركة في اعمال الاونيسكو لترميم ما يمكن ترميمه ومواجهة تهريب الكنوز المسلوبة. وكان اياغون بعث رسالة الى مدير منظمة الاممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم (الاونيسكو) كويشيرو وماتسورا في 24 مارس الماضي كما بعث الى وزراء الثقافة في الاتحاد الاوروبي يحثهم على الحفاظ على الكنوز الثقافية في العراق. مسؤولية الاحتلال ومع ارتفاع اصوات الاحتجاج على تقصير قوات الاحتلال في حماية المتاحف قالت منظمات اثرية امريكية ومنظمة اليونسكو انها زودت المسؤولين الامريكيين بمعلومات عن التراث الحضاري العراقي والمواقع الاثرية قبل اشهر من بدء بالحرب, غير ان المتاحف والاماكن الاثرية العراقية لم تستطع تجنب مصيرها الذي عرض للنهب والتحطيم والسرقة وغيرها من الاعمال التخريبية منذ انهيار حكم الرئيس صدام حسين نظرا للاهمال, بل التعمد في الاهمال لحماية هذه الآثار العراقية الثمينة من قبل قوات التحالف الامريكية البريطانية واكدت مجموعة من الاثريين وخبراء الآثار قبل الحرب ان اتفاقية لاهاي لعام 1954 تقضي بحماية التراث الثقافي خلال الصراعات, والعراق من الدول التي صدقت على الاتفاقية, اما الولاياتالمتحدة وبريطانيا فلم تصدقا عليها. وقالت باتي غير ستنبليث من معهد آثار الامريكتين: ندرك ان غالبية القطع الاثرة المهمة قد ذهبت الى غير رجعة, واضافت انها سمعت ان اللصوص حطموا رؤوس التماثيل الضخمة التي لم يتمكنوا من اخراجها كاملة كما قال احد العلماء الامريكيين انه تردد ان بعض القطع الاثرية العراقية ظهرت بالفعل معروضة للبيع في باريس. ومن هذه الناحية وجهت جمعية مديري المتاحف الفنية نداء الى المتاحف وهواة جمع التحف في العالم مطالبة اياهم بعدم شراء تحف سرقت مؤخرا من متحف بغداد. ويقول بعض الشهود ان القوات الامريكية المتواجدة بالقرب من المتحف العراقي وقفت مكتوفة الايدي واللصوص ينهبون الآثار, ويحطمون ما لايستطيعون سلبه. تنصل امريكي من جانبه رفض دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الامريكي الاتهامات التي حملت الجيش الامريكي مسؤولية نهب آثار عراقية لاتقدر بثمن من المتحف الوطني العراقي في بغداد. ونفى رامسفيلد الانتقادات القائلة ان خطط الحرب الامريكية في العراق لم تكن مهيأة او معدة بشكل يدرأ هذا النوع من المخاطر, بقوله ان محاولة القاء المسؤولية على خلل في خطة الحرب امر مبالغ به. كما اشار رامسفيلد الى ان الولاياتالمتحدة عرضت مكافآت لاعادة الآثار, ولمن يدلي بمعلومات عن مكانها ويعتقد ان المسؤولين في المتحف اخفوا بعضها قبيل الحرب خوفا عليها. واعترف رئيس الاركان الامريكي الجنرال ريتشارد مايرز بأن وزارة الدفاع تلقت بالفعل تحذيرات مسبقة بشأن المواقع الاثرية حول بغداد, وانها نقلتها الى القيادة المركزية المسؤولة مباشرة عن الحرب. وقد ادى سيل الانتقادات التي وجهت اليها بصفتها القوة العسكرية المسؤولة الى مبادرة واشنطن بالتعهد باستعادة وترميم الآثار العراقية المنهوبة. وقال كولن باول وزير الخارجية الامريكي ان متحف بغداد واحد من المتاحف العظيمة في العالم, وان الولاياتالمتحدة ستتولى الدور القيادي في اعادة المتحف لما كان عليه. واضاف ان الولاياتالمتحدة ستؤمن المتحف وستتعاون مع منظمات مثل الاتحاد الاوروبي واليونسكو, في ترميم آثار المتحف وستستعيد الولاياتالمتحدة ما سرق من المتحف وستشارك في ترميم ما تعرض للتلف منه. واكدت الولاياتالمتحدة انها ستلاحق المسؤولين عن عمليات نهب او تخريب او سرقة الاماكن التي كانت تحتوي على التراث التاريخي في العراق حتى خارج البلاد حسبما اعلنت وزارة الخارجية الامريكية. وقال مساعد المتحدث باسم الخارجية الامريكية فيليب ريكر ان المسؤولين عن اعمال النهب والسلب الذين يعتقلون في العراق سيلاحقون بموجب القوانين العراقية, واضاف ان واشنطن ستتعاون ايضا مع الشرطة الدولية لمنع اي عملية لبيع قطع تاريخية عراقية يتم تهريبها من البلاد, وسيحاكم اي مهرب يتم اعتقاله في الولاياتالمتحدة بموجب القوانين الامريكية الخاصة بسرقة القطع الفنية او التاريخية. و الى ان تترجم هذه الوعود الامريكية الى حقائق على الارض سيظل القلق العلمي بشأن جزء هام من تاريخ البشرية سائدا وسيظل جانب كبير من ذاكرة العراق عرضة للدمار والضياع بين مطرقة اللصوصية وسندان التآمر. حارس عراقي بين بقايا آثار حطمها اللصوص المحترفون في متحف بغداد