عزيزي رئيس التحرير لقد اطلعت على ما نشرته جريدتنا الغراء (اليوم) في الصفحة الأخيرة من العدد (10926) يوم الخميس 14/ ربيع الأول 1424ه الموافق 15 من مايو/ 2003م من اجابات كاتبنا الكبير الاستاذ عبدالله باجبير أثناء الحوار الذي أجراه معه الأخ فيصل الفريان وقد عرفت الاستاذ عبدالله باجبير من خلال كتاباته في الصحف فهو كاتب قدير, وتعجبني غالبا كتاباته التي تتسم بالعمق والشجاعة وقد تناول في هذا الحوار مواضيع مهمة في مسيرة حياتنا في المملكة في هذه الفترة العصيبة من حياة أمتنا التي تواجه فيها امتحانا صعبا ومخاضا خطيرا. وما أريد التعليق عليه من كلام كاتبنا الكبير يتلخص فيما يلي: أولا: عندما سئل الاستاذ الكاتب عن مناهج التعليم في المملكة قال: (أعتقد ان المقصود دائما هو التعليم الأساسي وهو بالطبع يحتاج الى تغيير جذري الى ان قال (المناهج لا بد ان تنسف نسفا) فلا أدري ماذا يقصد الكاتب (بالتعليم الأساسي) الذي يريد اجتثاثه وتغييره من جذوره وان تنسف مناهجه نسفا فان كان يقصد بذلك العلوم الإسلامية وتعليم أولادنا دينهم وهويتهم الإسلامية فهذا استهداف لعقيدة الأمة وهويتها وليس لأمتنا هوية سوى الهوية الإسلامية وليس لها حضارة سوى الحضارة الإسلامية وليس لنا كأمة بقاء ولا عزة إلا بالإسلام وبالحضارة الإسلامية فالإسلام هو لحمة أمتنا وسداها وهو الرابطة القوية والنسيج المتلاحم الذي يجب ان ينتظم شعوب هذه الأمة ويوحد صفوفها أما العرب فهم بمثابة القلب النابض لجسم الأمة. كما اعتقد انه لا يغيب عن بال الكاتب ان الآخرين يستهدفون فيما يستهدفونه بالدرجة الاولى من عدوانهم واحتلالهم للعراق وغيره, يستهدفون أمتنا ثقافيا وحضاريا بالاضافة الى الأهداف السياسية والاقتصادية والبترولية ولذلك كنت أود من كاتبنا الكبير ان يربأ بقلمه فلا يجعل منه عونا لأولئك المحتلين في محاولاتهم طمس هويتنا ونسف حضارتنا. أما مسألة تطوير المناهج والرفع من مستواها أسلوبا وأداء فهذا أمر مطلوب كلنا ننشده ولكن هناك بونا شاسعا بين التطوير والنسف والتغيير. ثانيا: قول الكاتب عن أسلوب التلقين (انه جريمة يجب القبض على من يقومون به) أهكذا يكون النقد البناء لأسلوب التعليم. أليس هذا أسلوب بوليسيا إرهابيا وإلقاء للكلام على عواهنه؟ أليس أول ما أنزل الله من القرآن على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قوله: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) ومعلوم تلقيه القرآن عن جبريل. علما بأنني من دعاة تطوير أساليب التعليم ولست مؤيدا لأسلوب التلقين ولكن هل هذا هو النقد البناء؟ ثم يتساءل الكاتب: (لماذا لا نستورد أسلوب التعليم الأمريكي) فاذا كان الكاتب يعشق استيراد كل ما هو أمريكي بالذات فهلا يكفيه هداه الله احتلال الأمريكان للعراق ودعمهم لشارون ليدعو الى احتلالنا ثقافيا بان نكون مقلدين لهم مستوردين منهم حتى أسلوب التعليم مع ان لنا تميزنا الحضاري وقرآننا الذي (يهدي للتي هي أقوم) وهذا ليس رفضا للاستفادة من العلوم الحديثة في طرق التدريس وتطوير أساليب التعليم ولكن لا نجعل من الغرب ومن أمريكا بالذات قدوة وقبلة لنا نتوجه اليها بالاستيراد والتقليد والانبهار وبالتالي تذوب ثقافتنا في أساليب حياتهم وننفصل عن تاريخنا وإسلامنا وحضارتنا فمجتمعنا مجتمع مسلم يعتز باسلامه ولا يقبل المساومة على هويته. وعندما سئل الكاتب عن الداعية عمرو خالد أجاب قائلا: (حكايتي مع عمرو خالد هي حكايتي مع الدعاة (المودرن) والمحدثين لانهم ببساطة يستخدمون فنون الدعاية والإعلان لابهار الشباب وصرفهم عن العلم والعمل واجترار الماضي الذي لن يعود). وأود هنا ان أقف مع الكاتب عند هذا المقطع من اجابته وقفات: أولا: نحن مع النقد البناء ومع نقد الذات خصوصا ولا استثني الدعاة ولا غيرهم من الحاجة الى النقد لان النقد وسيلة من وسائل تحسين الأداء وتطويره وكما ورد في الأثر (المؤمن مرآة أخيه) فلنحقق هذه الأخوة ونراعي واجباتها. ثانيا: ان كاتبنا من دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان ومن حقوق هذا الإنسان حرية الكلمة ولكن بشرط ان تكون هذه كلمة مسؤولة لا تجريح فيها ولا اتهام للنيات والمقاصد بدون بينه بل تكون بحدود (الدين النصيحة) فتوجيه التهمة الى الدعاة بأنهم (يصرفون الشباب عن العلم والعمل) فهذا القول بهتان عظيم ومهاترة فجة ينبغي على كاتبنا ان يعلو بمستوى قلمه عن مثل هذه الأساليب وان يحاسب نفسه فمسؤولية الكلمة خطيرة لاسيما ما ينشر في وسائل الإعلام العامة. ثالثا: اطلاق الصفة السلبية وتعميمها على الآخرين فاذا كان هناك 1% او 2% يتصفون بهذه الصفة السلبية (المتاجرة بالدين) فهل من العدل والإنصاف في شيء وصم المائة بكاملهم سواء من الدعاة او العلماء او الهيئات او غيرهم بهذه الصفة فيجب ان نتحرى الدقة والإنصاف ليكون كلامنا صائبا ونقدنا صحيحا يساهم في التطوير والإصلاح لا في التدمير والوقيعة وتبادل التهم بين أبناء البلد الواحد والهوية الواحدة وننشغل ببعضنا فذلك ما يسعى اليه أعداؤنا لتدميرنا جميعا. رابعا: ان هذا الكلام لو تأمله الكاتب نفسه لعلم انه قد تجاوز الانصاف والصواب بعيدا وتجنى على الدعاة المخلصين الناجحين في دعوتهم ومنهم (عمرو خالد) الذي أقلق الدوائر الصهيونية والغربية بنجاحه في دعوة الشباب وانتشالهم من تيه الغفلة والانبهار بسلبيات الحياة الغربية المادية الى نور العلم والصحوة الإسلامية والحياة الجدية المدركة لحقيقة الإسلام ومعناه وانه دين العمل والعزة وكرامة الإنسان وانه (دين ودولة) فاثراء حياتنا الحاضرة الهازلة الهزيلة بشيء من سير أبطال تأريخنا العظام الذين بنوا لهذه الأمة مجدها وسؤددها ونشروا الإسلام والعدل في مشارق الأرض ومغاربها. فدراسة التاريخ وأخذ الدروس والعبر منه من ضرورات تطوير بناء الحاضر واستشراف المستقبل, فمن لا ماضي له او لا يدرس التاريخ ويستفيد من دروسه وعبره فلا حاضر له ولا مستقبل, فدراسة حياة أولئك الأبطال وأخذ الدروس من سيرهم وما حققوه من أهداف وبنوه من أمجاد والوقوف عند الأخلاقيات والوسائل التي حققوا بها تلك الأعمال الجبارة وبنوا مجد الأمة بالاضافة الى دراسة الحاضر وما جد فيه من علوم وفنون هو طريقنا ياأخي الى النهوض من جديد للتخلص من آثار (سايكس بيكو) وما قبلها وما بعدها من عشرات الاصفاد والقيود التي كبلت بها أمتنا وخدرت وصودرت ارادتها وطاقاتها وأصبحنا (أيتاما على موائد اللئام) فلننتشل شبابنا من الاستلاب والغرق في تفاصيل حياة (ديانا) و(مايكل جاكسون) والجنس الثالث وحياة المخدرات والليالي الحمراء التي صدرها لنا الغرب فتلقاها البعض ليقتاتوا عليها وتبقى أمتنا مخدرة وطاقاتها مهدرة وهي تغط في سبات عميق او احتراب فيما بينها عاملة عما يخططه وينفذه فيها شارون وبوش وبلير فدراسة تاريخينا واستخلاص ما فيه من دروس المحن والنكبات التي مرت بها أمتنا وتحليل الوسائل والأسباب التي مكنتها من تجاوز تلك المحن والنهوض من تلك الكبوات ومتابعة السير من جديد ودراسة أسباب الضعف والهوان الذي تعيشه امتنا اليوم وكيفية تجاوز هذه المحنة وهذا كله هو جزء من الزاد والعلم والعمل الذي ينبغي ان يتسلح به شبابنا وليس صرفا لهم عن العلم والعمل كما زعم الكاتب وإنما هو استلهام للماضي بعبره ودروسه واستشراف للمستقبل. خامسا: ان قول الكاتب (ان الدعاة يحولون الدين الى مخدرات) فهذه الكلمة من قاموس الشيوعية التي طالما رددها الشيوعيون وجرى خلفهم قطيع من البشر حتى انتهت بهم الى الهاوية. وانني أربأ بكاتبنا واشفق عليه ان يزل قلمه هذه الزلات الكبرى فان أمتنا لا سيما وهي تعيش هذا المأزق الخطير من حياتها بأمس الحاجة الى الأقلام المخلصة التي تبني ولا تهدم فتتحرى الحق والصواب وتتجنب هوى النفس وزلات القلم وتثري إعلامنا بتحليلات ومراجعات لمسيرتنا ورؤى صائبة تكون بمثابة منهج جديد قويم مدروس يجعل هوية الأمة وثقافتها الإسلامية محورا تلتف شرائح الأمة حوله وتوحد صفوفها لحماية حاضرها ومستقبلها فنحن في عصر التكتلات التي لا تعترف إلا بالأقوياء. سادسا: قوله: (ان الذين يستمعون الى هؤلاء الدعاة يخرجون مسلوبي الإرادة) ألا يعلم الكاتب ان الدعوة الى الله هي الرسالة التي بعث الله بها رسله رحمة للعالمين لانقاذ البشرية من التيه والشقاء الذي جرهم اليه دعاة الضلال والشهوات (ويريد الذين يتبعون الشهوات ان تميلوا ميلا عظيما) فهل ابوبكر وعمر وخالد بن الوليد وسعد بن ابي وقاص وعمر بن عبدالعزيز وصلاح الدين الأيوبي مسلوبو الإرادة لانهم استمعوا الى الدعاة وقائدهم محمد صلى الله عليه وسلم, كنت أتوقع من كاتبنا ان يكون نقده واقعيا وان يحسب للكلمة حسابها فلا يلقى الكلام جزافا أبرز ما يفهم منه الاستعداء والمبالغة في التنفير وسوء الظن بالدعاة المخلصين لدينهم ولأمتهم. سابعا: قول الكاتب (كيف نسمح بتحويل الدين الى (سبوبة) وأكل عيش وسلعة تباع وتشترى وتتكون منها الثروات ونخسر فيها الشباب). أين مقولة الكاتب هذه من قول الله سبحانه: (ومن أحسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين) فالدعوة الى الله وظيفة الرسل وميراث الأنبياء (قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) فهذه طريق محمد صلى الله عليه وسلم وطريق من اتبعه فهل هذه سبوبة وأكل عيش ام سعى في انقاذ الشباب والبشرية بعامة من التيه والشقاء الذي عاشته قرونا مضت وتعيشه اليوم, وهل سلوك طريق محمد صلى الله عليه وسلم وطريق من اتبعه في دعوته والاستماع الى دعوتهم يؤدي الشباب الى الخسارة. وهل طريق (مايكل جاكسون) وأمثاله من مروجي المجون والمخدرات هو طريق العزة والكرامة وانتشال الامة من المأزق الذي تعيشه الآن والذي قادها اليه سلوك اتباع الطريق الأخير فلننتبه لهذه المزالق الخطيرة وزلات القلم التي هي أخطر من الرصاص. لست أدري من يقصد الكاتب في قوله الخطير هذا وهو (تحويل الدين الى وسيلة للكسب والتجارة) لا شك في ان هناك من يتصف بهذه الصفات وقد تحدث القرآن الكريم عن أولئك من أهل الكتاب وغيرهم ولكن اطلاق الكاتب لكلامه وتعميمه وإيراده لهذا الكلام عطفا على حديثه عن الدعاة, عموما هذا بهتان عظيم سيسأل عنه الكاتب يوم القيامة. فوصيتي لأخي الكاتب ان يحاسب نفسه ويتقي الله فيما يقول ويكتب. علما ان مداخلتي هنا يعلم الله ليست للدفاع عن الدعاة بقدر ما هي همسة في أذن كاتبنا الكبير وجميع الكتاب الذي يتناولون التعليق على مثل هذه المواضيع الإسلامية المهمة بان يحسبوا للكلمة حسابها الدقيق وان يتقوا الله بان يكون نقدهم بناء منصفا يتحرون فيه الصدق والأمانة لأن الكلمةأمانة وان يكون النقد صادرا عن علم وبصيرة ويكون رائدهم الحق والاخلاص لهذه الأمة ولهويتها وحضارتها, اما من يريد الخروج على هوية الأمة وهي الإسلام والثوابت الإسلامية المنصوص عليها في القرآن الكريم وفي صحيح السنة النبوية ويجعل من نفسه معول هدم وأداة بيد أعداء الأمة فليعلم انه ينطبق عليه قول الشاعر العربي: ==1== كناطح صخرة يوما ليوهنها==0== ==0==فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل==2== وانه سيخسر ويندم في الدنيا والآخرة ولنستمع الى قول الله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الإنسان انه كان ظلوما جهولا). ولنعمل به وانني أربأ بكاتبنا الكبير ان يكون من أولئك الذين جعلوا أقلامهم في خدمة الأهداف الصهيونية والدوائر الاستعمارية الغربية التي لا ترضى ان ينهض المسلمون كغيرهم مجتمعين مرفوعي الهامات في دولة قوية مستقلة واقتصاد قوي مستقل وثقافة إسلامية مستقلة, فلنصل ماضينا بحاضرنا لبناء مستقبلنا. (وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). وفق الله الجميع لسلوك طريق الحق والعزة والنجاة في الدنيا والآخرة المحامي سليمان بن ابراهيم الرشودي