تغنّينا الموسم الماضي بسلسلة الانتصارات كرقمٍ مسجّل في موسوعة غينيس واحتفلنا بثلاثية من ضمنها الدوري الذهبي ولأننا جمهور الهلال فلم تكن تلك المرحلة سوى أوقات فرحٍ للقادم الأجمل، فهكذا اعتدنا وتلك وتيرتنا في رحلتنا مع هذا الكيان.. فالهلال وُلد ليحصد البطولات، وجمهوره اعتاد أن يحتفل بموسمٍ، ويتهيأ للسيطرة على الموسم الذي يليه. لا أحد يُملي علينا كيفيّة الفرح ولا الخصوم تعلّمنا متى نقف ومتى نهجُر؟!، فنحن أدرى بشعاب كياننا والأحق والأولى به حتى من إداراته ولاعبيه.. فالجمهور هو من صنع من النعيمة إمبراطوراً ومن سامي رقماً صعباً ومن الثنيان فيلسوفاً ومن ياسر قناصاً ومن الشلهوب أيقونة، والقائمة تطول، لذا فالجمهور قد دقّ جرس الإنذار مبكراً بأن هلالهم لم يعد الهلال الذي تراهن عليه قبل المباراة بيوم بل أصبح بلا هويّةٍ يُحجِّمهُ أنصاف لاعبين وفرقٌ أدنى في المستوى والقيمة الفنية.. منذ رحيل سعود عبدالحميد والجمهور يسأل ولا أحد يجيبه إجابةً مقنعة، لماذا رحل؟ ومن المستفيد؟! كذلك، الفوضى التي أحدثها نيمار وتبعاتها في مالكوم وبعض العقول الضيقة من اللاعبين وصولاً للبعض من الجماهير والإعلاميين لم تحرك لها الإدارة ساكناً.. الهبوط المريع في مستوى الكثير من اللاعبين حتى ضاق المدرج الأزرق بهم ذرعاً وخرج عن صمته ليُشعِرهم ويُذكّرهم بأنهم يلعبون للهلال تصدّى له خيسوس وفهد بن نافل وبعض الإعلام دون مراعاة لألم الجمهور وحرقته..! حتى تجرأ مالكوم لتذكير الجمهور بالدوري الذهبي وأن يصمتوا، ونسي هذا البرازيلي الذي يركض كثيراً بلا وجهة محددة، أن الكيان الأزرق لا يقف عند منجز يتغنّى به كغيره..! فكل موسم لا بدّ له أن يكون سيّد الحصاد فيه رغماً عنه وعن أشباه عقليته التي لا تليق برياضي محترف، فإن كنت تشعر بأن نيمار فرصتك لأن تكبُر، فالهلال الكيان أكبر من نيمار وهو من يمنح اللاعبين وسام الفخر وليس العكس..! منذ تلك الحادثة وخصوم الهلال هم لاعبوه ومدربهم الذي يشاطرهم تصفية الحسابات مع الجمهور تارة ومع بعض اللاعبين تارة أخرى.! بدأ النزيف بجرح بسيط وأخذ يتسع بعد كل مباراة ويكبر مع المواجهات التنافسية وكلها تعود لذات السبب ولنفس السؤال: من اختطف الهلال؟! والإجابة نفسه الهلال اختطف نفسه بمدرب هزيل ولاعبين كُسالى تاهو بين السوشل ميديا ومراقبة غضب الجمهور. هذه الحال المُرة والخيبة التي يعيشها الجمهور لن تزول بنتيجة مباراة عابرة تواجه فيها خصماً ضعيفاً، فالقادم الأهم هو منعطف الرمق الأخير قد تخرج منه محمّلاً بخيبات لا يغفرها الجمهور وهي الأقرب إن ظلّ الهلال بيد خيسوس وفرقته البائسة الحسّاسة من مواجهة النقد واستغلاله لتطوير مستوياتهم المتهالكة بدنيًا وذهنيًا. قد نعذر لاعباً أو اثنين في سوء مستواهم وتدنّيه لكن أن يقف الجمهور عاجزاً عن ترتيب الأسوأ في كل مباراة من كثرتهم، فهذه كارثة لا علاقة لها بكرة القدم ولا ضغط المباريات ولا حتى الأمور النفسية، هذا استهتار بعقود دُفعت فيها ملايين إما أن تستحقّها أو مكانك بيتك وافعل ما يحلو لك.. هناك في هلالنا داءٌ ينتشر بالفريق ويزداد يوماً بعد يوم من يُغذّيه ومن يسمح له بالتنقل ومن يبارك وجوده.! هذا هو ما يحتاج الجمهور معرفته وليس بالخروج إعلامياً ومطالبة الجماهير بالدعم والوقوف مع الفريق ولأنهم محل اهتمامكم تستنزفونهم مادياً بتذاكر فوق طاقتهم وليتها تستحق. كان الله في عون الفئة الصابرة من الجماهير التي لم تنطق بعد أملاً في أن يتحسّن الحال الذي لا أرى فيه بوادر، مادام خيسوس ورعيّته البائسة آخر اهتماماتهم جمهور يحترق في المدرج وخلف الشاشات. الجمهور الذي ظلّ يدفع من وقته وجهده وماله ليقف خلف ناديه في كل الظروف.! اليوم، هذا الجمهور لم يعد يرى فريقًا يُقاتل، بل لاعبين تائهين، ومدربًا منشغلًا بتصفية الحسابات أكثر من تطوير الأداء. الخسائر أمام القادسية والاتحاد، ثم الأهلي، وأخيرًا النصر، لم تكن مجرد خسائر في جدول الدوري، بل مؤشرات خطيرة على انحدار فني ونفسي يُنذر بما هو أسوأ! نزيف مستمر لا يُعالج، وتدهور في المستويات لا يُبرّر، يقابلها صمتٌ إداري وتبريرات إعلامية تزيد من وجع المدرج الأزرق. المشكلة الحقيقية لا تكمن في مباراة تُربَح أو تُخسَر، بل في هوية فريق ضاعت، وثقافة نادٍ باتت على المحك، ولاعبين لا يدركون حجم القميص الذي يرتدونه.! نعلم أن الضغوط كبيرة، وأن المنافسة صعبة، لكن الهلال لم يكن يومًا نادياً يبحث عن أعذار، بل نادٍ يصنع الفارق مهما كانت التحديات. نحن اليوم أمام مفترق طرق.. النخبة تقترب، وكأس العالم للأندية خلف الباب. إحدهما بحاجة لدعاء صادق، والأخرى نرجو فيها أن نخرج منها بسترٍ رياضي لا يخلّف خيبة جديدة.! أما الهلال، فحاجته اليوم لا تتوقف عند التعاقد مع نجم أو تغيير مدرب، بل تبدأ باستعادة هيبته، وهويته، وروحه. الجماهير ما زالت صابرة، لكنها ليست غافلة، صوتها ارتفع لأن الألم وصل إلى حدود لا تُحتمل! ومن يظن أن دعم الجماهير واجب دون شرط، فليعلم أن الوفاء لا يعني السكوت عن الخطأ، ولا قبول التراجع على أنه قدر محتوم. الهلال ليس ملك لاعب ولا مدرب ولا شركة.. الهلال كيان.. من روح ودم! ويبقى السؤال الذي سيظل يُطرح حتى تتم الإجابة عليه بصدق: من خطف الهلال؟!