عكف واضعو الاستراتيجية العسكرية الامريكية لاشهر عديدة على دراسة خطط الحرب. وبمعلومات محددة قام عشرات من الجنرالات المتقاعدين بتوفير وتحليل والتعليق وانتقاد الخطط الامريكية القاضية بضربة جوية سريعة صممت لزعزعة أركان النظام العراقي وإفقاده الاتزان ويعقبها بوقت قصير غزو بري. وهناك شيء واضح الان، فبعد ساعات من الهجوم الصاروخي الاول: فإن حرب العراق تأخذ اتجاها مختلفا تماما. فليس واضعو الاستراتيجية الجالسون على مقاعدهم الوثيرة هم فقط المشدوهون من البداية المبكرة والمحدودة. وقال أحد الطيارين على متن حاملة الطائرات ابراهام لينكولن في الخليج لاحدى القنوات الاخبارية الامريكية: لقد بدأت الحرب، ونسوا أن يخبرونا . اذ قبل ساعات فقط من بدء الاشتباكات، لم يكن هناك أي مؤشر على أن وزارة الدفاع(البنتاجون) قد غيرت خططها الاساسية. فقد تم التخطيط لبدء الهجوم الجوي الكاسح مرحلة الصدمة والرعب كما وصفته كلمات البنتاجون في ليلة الجمعة أو ربما السبت ويعقبه تقدم للقوات البرية انطلاقا من الكويت. وبعد ذلك تغير كل شيء. وأعلن وزير الدفاع الامريكي دونالد رامسفيلد بعد الهجوم الاول أن خطط الحرب وضعت ليتم تغييرها. وقال: في الوقت الذي تحدث فيه أشياء، يتعين عليك مراعاة الوقائع التي تجدها. أو كما قال رئيس هيئة الاركان المشتركة ريتشارد مايرز، المرونة هي مفتاح النصر. وكانت قد وردت تقارير كثيرة حول أن رئيس جهاز الاستخبارات المركزية الامريكية (سي أي ايه) جورج تينيت فجر مفاجأة وصدم مجلس الحرب في البيت الابيض عشية توجيه التحالف الضربة الجوية الاولى لبغداد عندما قال آنذاك إن لديه معلومات استخبارات موثوق بها حول مكان اختباء الرئيس العراقي صدام حسين. فرصة كهذه لا تلوح سوى مرة واحدة للقضاء على الزعيم العراقي بأول طلقة ويتعين اغتنامها. وقد تردد بوش للوهلة الاولى وفي النهاية أصدر الامر قبل50 دقيقة تقريبا من انتهاء مهلة الانذار لصدام في الواحدة صباحا بتوقيت جرينتش يوم الخميس الماضي وقبل ثلاث دقائق من انغلاق نافدة الفرصة التي وفرها الجيش للهجوم. وعلى عجل، تم إعداد خطاب للرئيس وأعلن بوش بعد ذلك بوقت قصير البداية التي لم تكن مطابقة للجدول الزمني للحرب. وبعد ساعات تحركت القوات البرية في شمال العراق مما فاجأ الصحفيين الملحقين بالوحدات. وعبر الكولونيل لاري براون في الفرقة الاولى لمشاة البحرية في شمال الكويت عن الموقف بصورة موجزة قائلا: لا شيء يسير وفق الخطة أبدا . فالقصف الجوي الهائل الذي كان متوقعا بشكل كبير لاضعاف الجيش العراقي قبل تقدم القوات البرية لم يكن له أثر في أي مكان. هل كانت استراتيجية الصدمة المزعومة والمخطط لها مجرد معلومات خاطئة تهدف لقيادة العراقيين إلى المسار الخاطئ؟ لا يعتقد الجنرالات المتقاعدون، الذين يظهرون بشكل مستمر على التليفزيون الامريكي، ذلك. وقال الجنرال باري ماكافري إن العمل العسكري كان محسوبا حتى الان لانه سيحاول بشكل كبير دفع الجيش العراقي إلى الاستسلام . ويؤكد رامسفيلد أن الادارة كانت مشغولة بالاتصالات الهاتفية حتى مع الحرس الجمهوري أكثر قوات صدام ولاء له. وقال رامسفيلد: الاتصالات بالقوات العراقية مستمرة على كل المستويات الممكنة، بشكل علني وبشكل سري. والرسالة هي: يمكنكم التصرف بشرف وإلقاء أسلحتكم ولن يصيبكم مكروه . ويقول الامريكيون انهم في النهاية يأملون في أنه يمكن الاطاحة بالنظام العراقي دون إراقة كثير من الدماء.