دفع السقوط السريع لدكتاتور العراق صدام حسين بالرئيس الامريكي جورج بوش وكبار المسئولين الامريكيين إلى الترويج لاسلوب جديد لخوض الحروب يجمع بين الاعتماد الكبير على التكنولوجيا والسرعة لاسقاط الانظمة دون شن حرب واسعة النطاق على بلد بأكمله. ولم يكن الغزو الذي صاحبته قوة جوية هائلة وأسقط حكومة صدام مجرد نجاح عسكري، ولكنه أيضا بمثابة إثبات لصواب وجهة نظر بوش ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد في الداخل. ومنذ اختيار بوش له بعد الانتخابات الرئاسية عام 2000 لادارة وزارة الدفاع (البنتاجون) شرع رامسفيلد في وضع الجيش في وضع التحول بمعنى التخلي عن الاعتماد الكبير على قوات المشاة وأسلحة الحرب الباردة إلى القوات السريعة الخفيفة الفتاكة والاسلحة الدقيقة الرماية والقوات الخاصة. وقال بوش في خطاب ألقاه الاربعاء الماضي إن قوة حملات الجيش الامريكي في أفغانستانوالعراق تظهر أن الولاياتالمتحدة أعادت تعريف طبيعة الحرب وأنه يمكنها ضرب قوة معادية بسرعة ودقة تفوق التصور. وقال بوش في كلمة ألقاها أمام عمال شركة بوينج التي تصنع الطائرة المقاتلة إف/إيه-18 في سانت لويس بولاية ميسوري: بالجمع بين الاستراتيجيات الخلاقة والتكنولوجيا المتقدمة نعيد تعريف الحرب حسب مفاهيمنا. ومنذ عودة رامسفيلد إلى رئاسة وزارة الدفاع ثانية (وكان قد تولى هذا المنصب خلال عهد الرئيس جيرالد فورد)، وهو يواجه مقاومة شديدة من جانب القادة العسكريين لخططه لتطوير البنتاجون المكبل بالبيروقراطية حيث اعتاد الجنرالات والادميرالات على أن تكون لهم الكلمة العليا وليس للقيادة المدنية. إلا أن تقويم النجاح في العراق سيقوم بتحليله مستقبلا المؤرخون العسكريون ومراكز الابحاث وفي ردهات البنتاجون. والحكم لم يصدر بعد على ما إذا كان النجاح في الحملة على العراق تحقق بسبب القوة الامريكية أم بسبب ضعف وعدم كفاءة الدفاعات العراقية التي سهلت المسيرة الامريكية نحو بغداد. وقال رامسفيلد للصحفيين إن صدام والجيش العراقي أخذوا على حين غرة بخطة الحرب الامريكية التي بدأت بالغزو البري بدلا من شن غارات جوية لاسابيع مثلما حدث خلال حرب 1991، وهذا ما يفسر الضعف الواضح في المقاومة العراقية. وقال رامسفيلد: أعتقد أنهم (العراقيون) توقعوا نفس سيناريو حرب الخليج الثانية، وهو شن حرب جوية طويلة تتيح لهم وقتا لفعل كل ما يريدون فعله .. ثم يلي ذلك بفترة الحرب البرية مضيفا ان الحرب البرية تمت بسرعة كبيرة ولم تعط الناس (العراقيين) فرصة لاعادة تنظيم وتشكيل قواتهم في المناطق التي يمكنهم فيها إبداء دفاع أقوى. وعندما طردت قوات التحالف بقيادة الولاياتالمتحدة القوات العراقية من الكويت في الحرب الاولى تركزت خطة المعركة حول عقيدة باول، نسبة إلى رئيس هيئة الاركان آنذاك ووزير الخارجية الحالي كولن باول.وكانت خطة باول تتطلب حجم قوات يزيد على ضعف حجم القوات في الحرب الاخيرة وذلك للهجوم بقوة هائلة. وعندما تعرقلت خطة رامسفيلد الحربية في الوقت الذي كانت فيه بغداد في مرمى نيران القوات الامريكية، رفض رامسفيلد غاضبا التلميحات إلى أنه تجاهل فلسفة منافسه الرئيسي في الادارة الامريكية. وعندما سأله أحد الصحفيين عما إذا كان قد تعلم أي شيء من غزو العراق رفض رامسفيلد مناقشة أي أخطاء يمكن أن تساعد مخططي الحرب الامريكيين مستقبلا. وقال وزير الدفاع: هل تعلمت أشياء؟ .. يمكن أن تكون واثقا من ذلك، ولكني سأحتفظ بتلك (الاشياء) لمرة أخرى. ولكن ثمة درسا ربما يكون قد ظهر من مشاهد الخروج على القانون والفوضى التي سادت بغداد والمدن العراقية الاخرى. فقد قام اللصوص بنهب المستشفيات والمباني الحكومية ومتحفين يضمان آثارا تعود لعشرة آلاف سنة ومنشآت أخرى في حين ظهر أن القوات الامريكية غير جاهزة للتصدي لحالة الفوضى وأعمال السلب والنهب. وتدخل الجنود الامريكيين بعد ذلك للحد من مظاهر الفوضى والخروج على القانون، ولكنهم يمكن أن يتعلموا درسا من رفاقهم البريطانيين الذين سيطروا على مدينة البصرة الجنوبية ثاني أكبر مدن العراق من حيث عدد السكان. ومعروف أن القوات البريطانية لديها قدرة أكبر من الامريكيين على التعامل مع المدنيين. فالتدريب الانساني المكثف مطلوب في بريطانيا، في حين أن البنتاجون يتجنب هذا التدريب معتقدا أن القوات الامريكية يجب أن تركز على القتال وكسب الحرب وليس شغل نفسها بمهام حفظ السلام التي يمكن أن تقوم بها دول أخرى، وهي النقطة التي ركز عليها رامسفيلد عندما ناقش الحاجة إلى مزيد من القوات الاجنبية للمساعدة في إعادة الاستقرار للعراق. وقال رامسفيلد: أحد العناصر هو كم عدد القوات الاجنبية التي نعتقد أن بوسعنا اجتذابها للقدوم وتقديم بعض المساعدة لنا، لان ذلك يؤثر على عدد القوات الامريكية التي نحتاجها. بوش منتشيا بما حققه في العراق