عند التطرق الى كلمة مستشفى يتبادر للاذهان المستشفى الذي يتعالج فيه الانسان عند مرضه، ولكن في مقالي هذا اتطرق الى مستشفى التخطيط الذي يحوي العديد من المتخصصين والاستشاريين لعلاج مشاكل المدينة الناتجة عن نموها وزيادة تعقيدات حاجات ساكنيها وما يسببه ذلك من مشاكل اجتماعية واقتصادية وبيئية فالمدينة عبارة عن كائن حي ينمو وتتشابك رغباته بل وحتى يمرض ويموت وينقرض. ومستشفى التخطيط هو مجمع متخصص طاقمه استشاري متكامل (اجتماعي واقتصادي وبيئي...) حيث القائمون عليه يعالجون المشكلة من جذورها وذلك بمعرفة اساس المرض ومن ثم البدء في عملية العلاج ووضع مراحل له مع متابعة هذا العلاج.. وقد يتم ذلك عن طريق العلاج قصير المدى او طويل المدى.. او البحث عن بدائل توصلنا في النهاية للعلاج. ولكن الاجدر دائما هو الوقاية.. ولا تتأتى الا من خلال منهجية مدروسة ومحسوبة. ومن هنا كان من المهم عند تنفيذ المشاريع التنموية العملاقة والتخطيط الحضري والاقليمي احدها ان يتم العمل من البداية لتلافي الامراض المستقبلية، فالوقاية خير من العلاج. والهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض مثال حي ورائع لما هية مستشفى التخطيط الذي يقوم باخذ الحيطة والتأني في وضع كل مرحلة وربطها بما يسبقها وبما يليها حتى يمكن علاج مشاكل مدينة الرياض التي تحوي طاقما تخطيطيا متكاملا.. وبالرغم من ذلك تعاني مدينة الرياض مشاكل تخطيطية ولكن لايزال المستشفى يتعامل معها بالطرق العلمية السليمة المبنية على التخصصية كل في مجاله.. متبعين سياسة التعاون مع القطاعات الاخرى في الدولة.. بل وحتى عقد الندوات والمؤتمرات وحلقات النقاش التي تزيح الغطاء عما تعانيه الرياض.. وصولا لتشخيص الداء ثم العلاج. ان وجود مثل هذه الهيئة في جميع مناطق المملكة بحيث تتخصص في تخطيط المدن وتنميتها يخفف العبء على الامانات.. بل ويدفعنا ذلك الى اقتراح ان تكون هناك وزارة خاصة بتخطيط المدن والقرى والأقاليم تتصل فروعها بمجالس المناطق التي تخدمها.. مع اهمية وجود جمعيات للتخطيط المحلي التي تقوم بدور توعوي علمي في ذلك المجال. فوجود مثل هذه الهيئة او الوزارة سوف يركز على الحد من المشاكل القائمة في مدننا.. وسوف يحفظ الوقت والمال الذي يصرف في عمل دراسات لهيئات حكومية تنموية اخرى وذلك عن طريق توفير الدراسات والاحصاءات والسياسات والبرامج التخطيطية واستخدامات الاراضي وفرص النمو في جميع القطاعات بشكل منظم ومتخصص وجاهز في اي وقت بفريق عمل تخطيطي متكامل.. مجهز بالتقنيات الحديثة لهذه الهيئات الحكومية. واخيرا فان الوقت ليس متأخرا حيث اننا نملك الجامعات التي تخرج اعدادا من الكوادر الوطنية المتخصصة في تخطيط المدن الحضري والاقليمي والتي تعمل بالمشاركة في دفع عجلة النمو لهذا الوطن الغالي بشرط توفير الجهاز والهيكل الاداري الذي يستوعب هذه القدرات والكوادر وتوظيفها بشكل فاعل بل وحتى الاستفادة والتعاون مع الدول العربية والصديقة التي سبقتنا في هذا المجال التي من الطبيعي التواصل معها. وليكن الهدف من مقترحنا السابق ذكره هو جعل تخطيط مدننا تخطيطا مستديما لاجيال الحاضر والمستقبل بشكل يحفظ لنا ولأجيالنا المقبلة حقوقها في العيش في مناخ وبيئة تحقق الرفاهية لقاطنيها مع الاستفادة المثلى من الموارد المتاحة بعيدا عن الاستغلال الوقتي الذي يجعل المخططات الحضرية والاقليمية طريحة الفراش والمرض المستديم. جامعة الملك فيصل كلية العمارة والتخطيط قسم التخطيط الحضري والاقليمي