لقد عانى الاوروبيون ويلات الحربين الاولى والثانية مما افقدهم بهجة الحياة ورسم على عقولهم طبقة من الكآبة جعلتهم ينصرفون بكليتهم الى العمل الجاد الذي يتسم بالصرامة. لذلك فهم متعطشون الى لحظات مرحة يرفهون بها عن انفسهم سواء كانت المادة التي تقدم فيها حقيقية او خيالية او مجموعة من الاكاذيب كما هي في مغامرات مونشهاوزن الذي الفه الكاتب الالماني رودلف راسب. وهو كتاب ملىء بالاكاذيب التي تضفي صفات البطولة على مونشهاوزن بشكل مبالغ فيه. صدر هذا الكتاب ضمن مشروع (الكتاب للجميع) الذي تبنته المؤسسة العالمية للثقافة (اليونسكو) واوعزت الى عدد من المؤسسات الاعلامية بتوزيع كتب هذا المشروع مع اصداراتها اليومية وهو مشروع اراد له ناشروه ان يكون مشروعا فعالا لتجسيد الهدف المعرفي الذي هو اشاعة المعرفة وتيسير وسائلها وتمكين القارىء من الوصول الى الينابيع الفكرية ذات التأثير في حركة الثقافة وتاريخ الفكر. الا انني لم اجد لهذا الكتاب علاقة بتلك الاهداف النبيلة.. ثم ان هذا الكتاب لا يمكن ان يتساوى في الرقي من ناحية المحتوى مع كتاب (طبائع الاستبداد) لعبدالرحمن الكواكبي، وكتاب (طوق الحمامة) لابن حزم الاندلسي اللذين صدرا ضمن هذه السلسلة واليكم نموذجا من تلك الاكاذيب. جاء في صفحة 10:حدث في ذات صباح ان كنت انظر من نافذة القصرالذي اعيش فيه وكان الى جواره بركة فسيحة فاذا بها مغطاة باسراب من الاوز البرية! وانا كما تعلمون من الناس الذين لا يعنون بالزينة والتجميل في كل صباح، لهذا ما ان وقع نظري على هذا السرب من الطيور حتى هرولت من مكاني وحملت بندقيتي على كتفي واندفعت نازلا حتى انني لم اكن اعرف موضع درجات السلم، اذا اجتاحتني نشوة عجيبة فلم اتوقف ثانية حتى وصلت الى البركة. ولكنني عندما حاولت ان اعمر بندقيتي وجدت انني نسيت الرصاص، لهذا اعملت فكري في وسيلة لاشعال البارود، فتحت غطاء خزانة البندقية واسندت خشبتها الى خدي، عند ذلك جمعت قبضة يدي واهويت على عيني بخبطة قوية في اللحظة التي حركت فيها زناد البندقية. فما املته وانتظرته حدث بالفعل، اذ من اثر تلك الخبطة القوية التي هويت بها على عيني انبعث شرر كاف اشعل تراب البارود. فانطلقت البندقية واصابت الهدف فبلغ نصيبي من هذه الطلقة ثلاثين اوزة برية. اما الفرية الكبرى ففي صفحة 18: وقد يجد الانسان نفسه في بعض الاحيان في مأزق من المآزق التي لا تجدي حيلة من الحيل للتخلص منه الا فيما ندر، كما حدث مرة عندما اعترض طريقي في غابة من غابات بولندا دب شرس، وقد امسى المساء ونفد مني البارود. واخذ الدب يقترب مني رويدا رويدا حتى بدأت احس بزفراته الحارة تلفح وجهي، فما كان مني الا ان قذفت بحجر من هذه الاحجار في فمه المفتوح، ولا شك ان ذلك آذاه بعض الشيء لانه استدار الى يساره واخذ يعوي بصوت يدل على الالم البالغ، وكانت هذه الحركة سريعة للغاية، حتى انني عندما صوبت قطعة الحجر الاخرى كان قد ولاني ظهره فاصابت دبره. وما هي الا بضع ثوان حتى كان الحجران قد تقابلا في جوف الدب وقدح الواحد منهما الاخر فاشعلا في جوفه نارا، فاخذ الدب يزمجر ويتلوى من شدة الالم ثم انفجر بقوة عنيفة، عند ذلك تنفست الصعداء اذ نجوت من خطر محقق، فتعلمت بعد هذه التجربة ان اكون دائما على قدم الاستعداد للدفاع عن نفسي اذا حدث وعدت ثانية الى بولندا، اذ ان الدببة تنتشر بها كما تنتشر الصراصير في الربيع.لاشك انكم تتطلعون الي في انتظار المزيد من هذه الاكاذيب الفاضحة التي تنسف العقل وتغيبه في مجاهل اللاوعي.. تعالوا الى صفحة 29: اعود هذه الليلة لاقص عليكم ما جرى بعد ان اهداني البارون البولندي ذلك الجواد الجامح. فقد خرجت في اليوم التالي للرياضة في بعض الحقول، وبينما كنت عائدا ادراجي شاهدت حيوانا ضخما بيد انني لم اميز حقيقته لان الظلام بدأ يرخي سدوله فبقيت في شك من امره، فنزلت عن صهوة جوادي واسرعت الخطى لاتحقق عما اذا كان ذلك الحيوان كلبا او وحشا من الوحوش. فما هي الا هنيهة حتى الفيته امامي وهو يقترب مني وقد فغر فاه، عند ذلك تبينت ان ما ارى ليس كلبا ولكنه ذئب شرس. ماذا انا فاعل؟ فليس معي سلاح ادافع به عن نفسي بعد ان تركت مسدسي على ظهر الجواد. اخذ هذا الوحش يقترب مني خطوة خطوة. لقد كان الهرب مستحيلا فضلا عن انه ليس من عادة اهلي ان يتخلصوا من الاخطار بالابواق والفرار. فما كان مني الا ان ادخلت جمع كفي في فمه المفتوح واخذت ادفعها في حلقه حتى اختفت ذراعي بأسرها! ثم ماذا بعد ذلك؟ ها انذا اراني وجها لوجه امام هذا الذئب، وماذا يحدث لو انني اخرجت ذراعي في هذه اللحظة! ولكن بدلا عن ذلك دفعت بقبضتي في جوفه وقبضت على احشائه بيدي وجذبتها الى الخارج كما يقلب احد منا قفازه! وهكذا قلبت ذلك الذئب فاصبح خارجه داخله وداخله خارجه! وتركته هكذا ملقى على الارض حتى وجده البستاني في اليوم الثاني! اليكم فرية اعظم من سابقاتها في صفحة 36 يقول:عندما كنت اطارد الاعداء عند بوابة الحصن سقطت هذه فوقي فشطرت جوادي نصفين. ولما كنت مشغولا بأمر هؤلاء الترك الفارين امامي لم اتنبه لما حدث بل طفقت اتبعهم هكذا حتى طردتهم من البوابة الخلفية فشطرت حصاني الى نصفين فذهبت على النصف الامامي. فلما عدت بعد ذلك الى البوابة وجدت النصف الخلفي لحصاني مكانه وهو حي يتحرك، فما كان مني الا ان بعثت في طلب صانع السروج الذي خاط نصفي الحصان وضم الواحد منهما الى الآخر ببراعة عجيبة، غير انه لم يجد سوى بضعة فروع من شجر الغار للقيام بمهمته هذه، فكان من ذلك ان نبتت هذه الفروع فيما بعد وامتدت جذورها في جسم الحصان، ثم اخضرت وتكاثفت اوراقها حتى انني كنت استظل بها اثناء هذه الحملة وابان حملتي الثانية في تركيا.