لماذا تكسر مئذنة نصفين؟ يجيب وهو متكئ على يمينه: لأن أعدائي يستخدمونها رايات، ويستخدمونها رماحاً أحياناً أخرى. ولماذا تثقب قباب المساجد؟ يشعل غليونه وينفخ فيه مرتين، فتمتلئ الغرفة بالدخان: لأن أعدائي يلبسونها قبعات ويمشون بها في الطرقات. في انتظار أن ينقشع ضباب الغليون بيننا، وكلانا ينظر إلى الآخر من وراء الدخان الذي يشف رويدا رويدا: هل دخان المدن المحترقة من هذا الغليون؟ يعتدل في جلسته: إن ما نقوم به تطهير للأحياء من الأوباش، وما تراه من دخان إنما هو غمام أسود يولد من الدكاكين الصغيرة في السكك الضيقة كأسطورة معاصرة. لكن هذه الأحياء مليئة بالموتى-قلتُ له-فهل تقوم بما تستطيع لحماية الأحياء؟ عدوي ذئب في صوف خروف، ولا يستطيع أحد أن يفرق بين قطيع من الذئاب المتخفية في صوف الخراف حين تختلط بقطيع من الخراف المتخفية في جلود الذئاب. عند ذلك، دثرني حزن بعد أن ارتعشت من خوف غامض دب في أطرافي. فبأي ذنب تأخذ حياة صغار الذئاب وصغار الخراف كما وصفتهم، أليست الطفولة واحدة؟ بدت مني ابتسامة ساخرة ولم انتبه حتى انتهيت من سؤالي، وبادلني هو بابتسامة مثلها ولم انتبه حتى قهقه بثلاث كلمات: ليس للخيانة عمر. كان الصمت أول حبل تمسكت به قبل أن يفلت مني صوابي. فوزعت نظراتي على السقف المنقش بالخزف الملون، ومررت بصري على المكتبة عن يميني، حتى استقر نظري على شباك مفتوح وراءه يطل على نافورة في منتصف حديقة مسورة بشجر الصفصاف. يبدو كتاب (الأمير) لنكولا ماكيافيلي قريباً منك-قلت له وأنا أشير إلى الكتاب المجلد الذي يستقر وحيدا على منضدة جانبية قرب مقعده-أتقرؤه باستمرار؟ أخذه من المنضدة ووضعه على فخذه وضرب براحة يده على غلافه المجلد مرتين: أريد أن يدرس هذا الكتاب في كل مدرسة، وأن يدخل كل بيت. أحفظ مقاطع منه وأجعله قريباً مني دائماً وأحمله معي في رحلاتي الخارجية. هل وجدتَ فيه ما يبرر تدمير المنازل بالمدفعية، وتهجير النساء والعجائز من القرى؟ أعاد الكتاب إلى مكانه وأخذ نفساً طويلاً: تطبيق النظرية أمر مختلف حسب ما يقتضيه واقع الحدث، والتجربة تملي أخطاءها، والإصلاح خيار استراتيجي تمليه الإرادة الشعبية. لكن أليست هذه شعارات لم يعد لها علاقة بالواقع الذي يفوح بالمذابح ورائحة البارود والمشانق المعلقة على أبواب المدينة؟ ألا تشعر بالمسئولية تجاه كل ذلك؟ لم يجب على السؤال الأخير، واكتفى بالنظر في ساعة الحائط المعلقة خلفي، بانتظار سؤال آخر ربما. بعد دقيقة صمت، أعدت كتابة السؤال على ورقة كبيرة كانت على طاولة بيننا، ثم قمت.