لا يعرف المهتمون بتصفح الكتب الأدبية عن مصارعة الأسود إلا النادر وقد يعتبر في عصرنا الحاضر تندرا. ولكن بالأمس القريب هناك أناس لهم اهتمام في تتبع الأخبار الموثقة التي لم يأتيها الباطل من أي جانب كان. تقول هذه الأخبار أن هناك شخص من تهامة زهران اسمه (ردة بن زاهر بن زاهر بن مشني السويدي الزهراني) والملقب ب الأحمر رحمة الله عليه - من قرية حضن آل سويدي- ويكنى أبو شيبان صارع اثنين من النمور والثالث قتله بدون صراع وله مع كل نمر قصة. وصفه حسب رواية حفيده الشيخ سالم بن أحمد بن منشي السويدي الزهراني قال كان أبو شيبان مديد القامة مفتول العضلات ضخم الجثة قوي القلب يقول العارفون به لا يوجد في تهامة زهران من يماثله في الضخامة وعلى قدر وصفهم له أنه يقرب أو يزيد قليلا عن المترين طولا وقد تناسق طوله مع عرضه فأصبح حديث المجالس ثم ميزته صلعه في رأسه. ويؤكد هذا الوصف ما ذكره الشيخ علي عطية بن مطير الذي يعرفه معرفة تامة حيث قال: لقد أستضفناه في قرية النجيل (1) ووضعنا له في صدر المجلس - الذي كان في الهواء الطلق- خي الجمل(2) حتى يتكي عليه وعندما جلس هشمه من ضخامة جسمه. وفخذ آل سويدي من قبيلة الجبر أحد قبائل بني سليم بتهامة زهران وقاعدة آل سويدي (الرميضه) غرب مقر محافظة قلوة بحوالي ثلاثين كيلوا متر وتنتشر قراهم حول الرميضه في كل الاتجاهات ويغلب عليها السهول والأودية وكان معظمهم بدو رحل يتبعون الكلأ أينما وجد ولديهم من المواشي الشيء الكثير. حياته: كان مولده في بدايات القرن الرابع عشر الهجري تقريبا بقرية حضن آل سويدي التي تبعد عن الرميضه جنوب غرب حوالي سبعة أكيال وبسؤال حفيده الشيخ سالم بن أحمد مشني (3) عن قصة النمور التي تناقلها الناس عنه. قال الشيخ سالم :"سرد علينا الشيخ (رده رحمة الله عليه) قصص اصطياده للنمور فوعيتها قلوبنا وحفرت في عقولنا ولازلنا نتذكرها ونرويها للأجيال وقد يخيل إلى سامعها من هذا الجيل أنها نوع من الطرافة أو قصص التسلية بينما هي حقيقة واقعيه (3)، واستطرد الشيخ سالم قي سرد ما قصه عليهم الشيخ رده رحمة الله وكيف تم اصطياد بعضها وقتل آخر النمر الأول : فقد ناقة وتوقع أن النمر قد قتلها يقول: وعدت أغزو المكان المتوقع أنها مقتولة فيه. شاهدتها من بعيد مرمية على الأرض وتوقعت أن النمر لازال يأكل من لحمها فقمت أكتم أنفاسي وأقترب منها قليلا وكنت أعد نفسي لمعركة شرسة وتوكلت على الله وأستمريت انقل خطواتي بحذر حتى وصلت بقربه فوجدته نائم بجوار الفريسة - وكان معي بندقية من نوع أبو فتيل(5)، فخفت إن قدحت النار أن يشم النمر البارود قبل أن تنطلق الرصاصة ففكرت أن أغزوه لقربه مني فخططت أن أثب عليه وتصورت في عقلي الأماكن التي لا تدعه يتحرك حيث كنت خلف النمر فوثبت وثبة مكنتني من وضع يساري على أذنه ويميني على كربته وركبتي على دفته أي بطنه - ساعده جسمه الممتلي وقلبه القوى- ثم ضغطت عليه بكل ما أوتيت من قوة حتى غاب ذلك النمر عن الوجود فأخذت حبل كان على رأسي ووضعته في رقبته ثم تأخرت خلفه ولكزته بالبندقية فلما فاق النمر من غيبوبته قام ينحب فضربته على خشمة بالجنبية ضربة خفيفة ولكزته بكرسي البندقية وقلت سر يا أبو الحارث سار النمر أمامي وأنا من خلفه أسير خوفا من أن ينتقم مني ويفترسني أن لم يكن بفمه فلديه أدوات أخرى إلا أنني كنت فطن له وبهذه الطريقة كان ضمنت لنفسي بعد الله أن أنجو من شره فهو أمامي مستسلما تماما وفي كل لحظه الكزه بكرسي البندقية (وأصيح عليه أمش يا بالحارث) وهكذا أستمريت حتى وصلت البيت ثم أوثقت رباطه وعالجته من ذلك الجرح ومكث عدة أيام في البيت. ومن الغريب فيما سمعنا أن رده هذا حينما يغيب عن البيت ينحب النمر وعندما تسمع الإبل نحيبه وزئيره تذهب إلى أماكن بعيده لا تسمع صوته. أما أهل الحي فقد دب الخوف في قلوبهم منه وكان كل التفكير لو انطلق من قيده ماذا سيحل بهم أما عندما يحضر ردة أو يسمع النمر صوته تجده لا يحرك ساكن ومستسلم.. وأخيرا قرر شقيقه قتله ليرتاح أهل الحي من تخوفهم الدائم فصوب بندقيته نحوه فقتله واستراح أهل الحي منه وسكنت قلوبهم. الثاني : في يوم من الأيام وكعادته يتفقد الإبل قبل الغروب ليطمئن قلبه فوجد أن أحد البكار غير موجودة إذا فقد عاد أدراجه إلى الجبل لعلها في مكان صعب إلا أنه وجد أن النمر بقرها في أعلى هذا الجبل الشاهق. شرق الرميضه بحوالي عشرة كم يسمى نخرة والجبل هذا لفخذ آل سويدي (6) وبفحص البكرة بخبرته فقد عرف أن النمر سيعود قبل الغروب فقرر الانتقام منه وبفحص الأرض التي حول الموقع لم يجد موقع قريبا يستره سوى شجرة بعيده عن الموقع فاعتلاها, وقدم النمر وشم حول البكرة وبعض الأشجار القريبة فلم يجد بها أحد. يقول كنت أراقبه وتحين الفرصة وكان ذلك حول المغرب فاتجه للفريسة وكان حذر فصوبت البندقيه إليه ورميته فأصابته في غير مقتل فتحول النمر إلى مكان آخر وحال بيني وبينه الظلام قال فعدت إلى البيت وفي صباح اليوم التالي عدت باكرا فوجدت النمر في موقع صعب رميه فهو على صخرة مرتفعة لا يمكن إصابته بالبندقية خاصة وأن هذه الصخرة بها موقع ساتر عن الرمي فقررت أن اغزوه فتسلقت الصخرة متجها إلى النمر وكلا مني ومن النمر يراقب الآخر ويتحين الفرصة للانقضاض على خصمه وعندما قربت منه وثب النمر علي من الأعلى ولكني عاجلته بضربه من الجنبيه. إلا أنه زادت شراسته وحنقه علي وبالرغم من تلك الضربة إلا أنه تمكن من المسك برجلي وسقطنا سويا من على تلك الصخرة وكان النمر لازال ممسكا برجلى وضاغطا عليها ثم عاجلته بضربة ثانية فتوفى في الحال واتوا الجماعة ونحن متجاورين لا نحرك ساكن إلا أن رجلي بعد الضربة الثانية تمكنت من إخراجها من فمه وعملوا نعشين من خشب وتم نقلنا إلى القرية سويا. وفيما بعد تذكر هذه الواقعة فجادت قريحته بهذا النشيد الطويل الذي يتغنون به في مناسبة الختان و ضمنه أيضا سيرة ذاتية له وكان نصيب هذه الوقعة بمقطعين حبينا تدوينها وهو ما يناسب هذا الخبر قال يقول أبو شيبان أبو قرن صليب وفي المقعد به الخاطر يطيب وإلى قام المعاند ما يغيب يغلق في العلوم اللي كثيرة تبارز هو ونمرا له نحيب وقلبه واعيا ماهو رهيب وطاحوا فالهوا هولا تعيب وشالوهم سوى وقت الظهيرة يشير باختصار إن افتخاره ليس بشجاعته فقط وقلبه الذي قد من حجر ولكنه أيضا له لسان طلق وفي المجالس له دور كبير في الكلام واختيار الكلمات المناسبة ويقارع الخصوم الحجة بالحجة فمنحه الله قلبا واعيا مدركا لسوالف العرب ثم يشير إلى أن النمر لم يرهبه عندما نحب ووثب عليه فقد تلقاه بقلب قوي لا يعرف الخوف وعندما وضع فمه على ساقه لم يرهبه بل عالج ذلك بضربه ثانية قوية من يمين أقوى. بقي سؤال لم نجد له جواب وهو لماذا جماعته أخذوا الاثنين إلى المساكن رغم أن النمر قد قضى نحبه ولم نجد لها تفسيرا حتى الآن إلا في حالة إذا أرادوا وضعه في مكان مناسب ليراه الجميع ويسير بخبره الركبان فقد يكون هذا مقصدهم وحد ث ما توقعوه فلا زالت سيرته على الألسنة يرويها جيل بعد جيل وهذا أول تسجيل لهذه القصة. أما النمر الثالث فلم يكن هناك ما يستوجب الكتابة عنه حيث ترصد له ورماه وارداه قتيلا. وفاته : توفي أبو شيبان في العقد التاسع من القرن الماضي وعمره يقرب من التسعين عاما أو أكثر بعد حياة حافلة بالمغامرات هذا هو رده الأحمر رحمة الله عليه أو كما يحلو لنا بتسميته (ب صائد النمور) وكما يحلو لجماعته أطلاق هذه التسمية عليه. والله من وراء القصد وهو المستعان الحواشي 1) علي بن عطية بن مطير الزهراني من بيت أل النظير من قرية عفراء (النجيل قبيلة الجبر بتهامة). 2) يطلق عليها المسامة وأحيانا شداد الجمل وقد يكون لها أسماء أخرى 3) هذا ما سمعناه من أكثر من شخص وأصبح حديث المجالس خاصة لمن يعرف ردة معرفة تامة. 4) الشيخ سالم بن أحمد مشني من قرية الحداب من آل سويدي. 5) وهذا النوع من البنادق يحتاج إلى بارود يضعه في موضع خاص ثم يكويه بالنار وفي الحال يسقط البارود على الذخيرة فتنطلق إلى الجهة التي يحددها الرامي وفي هذه الإثناء تحتاج لوقت والحاسه عند النمر قويه فقرر القيام بهذا العمل البطولي. 6) نخره جبل عالي جدا تابع ل آل سويدي كان يوجد به نمور وفهود انظر المعجم الجغرافي لبلاد غامد و زهران للأستاذ علي السلوك شافاه الله ص414 الطبعة الثالثة.