يعنى التثقيف الصحي بتوصيل المعلومة الصحية الصحيحة للأفراد والجماعات وكذلك المؤسسات بهدفين يتعلق الأول بالارتقاء بالصحة (Health promotion) من خلال تشجيع السلوك الصحي وتنميته وصولا الى الصحة المبتغاة والمستهدفة. والهدف الآخر هو الوقاية من الأمراض (Disease Prevention) وذلك من خلال معرفة مسبباتها والعمل ما امكن لتجنبها. هذان الهدفان من الشروط اللازم توافرها لتحقيق الصحة وكما قيل درهم وقاية خير من قنطار علاج، ومن المستحيل الوصول لتحقيقهما بدون التخطيط السليم للتثقيف الصحي. لقد عرفت الصحة من قبل المؤسسات الصحية التي تعنى بها (كمنظمة الصحة العالمية) بأنها حالة من التوافق الحيوي والنفسي والاجتماعي للفرد وليس مجرد الخلو من المرض او الاصابة. ونتيجة لذلك تحولت الممارسة الصحية من النموذج العلاجي (Curing Model) المبنى على سياسة الانتظار (انتظار ظهور المرض ثم العمل على علاجه) الى النموذج الرعائي caringmodel والذي من خلاله يتم التعامل مع الفرد في صحته ومرضه من المنظور الشامل وفقا للتعريف السابق. تتسم امراض العصر الذي نعيشه بخصائص معينة، وردت في مقالات سابقة، جعلت من المستحيل التحكم فيها من خلال سياسة الانتظار (الممارسة العلاجية) فقط حيث انها امراض مزمنة، متعددة السبب، غير قابلة للعلاج وقابلة للوقاية. يركز النموذج الرعائي على الجانب الوقائي مع عدم اهمال الجانب العلاجي، وبالتالي فان التثقيف الصحي بهدفيه السابقي الذكر من الدعائم الرئيسية التي تقوم عليها الصحة الشاملة. لقد قطعت الدول المتقدمة صحيا شوطا كبيرا في هذا المجال جعل القائمين على شئون هذا البلد المعطاء يحرصون على كل ما فيه مصلحة الوطن والمواطن والمقيم على ترابه الطاهر، والشاهد على ما اقول انطلاقة حملة الامير سلطان بن عبدالعزيز الوطنية للتثقيف الصحي والتي بدأت فعالياتها الاسبوع المنصرم. ان هذه الحملة المباركة تأتي لتبرهن للجميع ان الصحة من الضروريات التي اولتها حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الامين اهمية بالغة من خلال متابعة ما يستجد في المجال الصحي، وتؤكد من جهة اخرى على اهمية التثقيف الصحي ودوره في الارتقاء بالصحة ومقاومة المرض. لقد تفاعلت وزارة الصحة كعادتها مع حملة سموه الكريم بعد سبات عميق طالما انتظرناه لتفعيل التثقيف الصحي حيث ان وزارتنا مازالت تؤمن بان العلاج خير من الوقاية، وهذا ظاهر للعيان من خلال سياستها الصحية (سياسة انتظار المرض ثم علاجه) والذي يكلفها الكثير من الجهد والمال بعيدا عن الممارسة الرعائية والتي تولى اهتماما بالغا بالتثقيف والسلوك الصحي (Health behavior) في الوقت الذي مازال السلوك يعني عند وزارة الصحة المرض العقلي! ان التثقيف الصحي كجانب للمارسة الشاملة ليس مجرد اعلام صحي من خلال توزيع او اصدار نشرات او مجلات صحية او التفاعل مع الايام الصحية المقرة من منظمة الصحة العالمية فقط، انما واضافة الى ذلك يتم من خلال شقه السريري بإيجاد العيادات التخصصية للتثقيف الصحي العلاجي مع العمل على تدريب الكوادر الصحية من مختلف التخصصات التي تعنى بالصحة ليكونوا مثقفين صحيين. قنديل أليس الوقت قد حان لوزارة الصحة لتقييم برامجها المبنية على النموذج الطبي الحيوي والذي يرى الصحة من خلال غياب الفيروس او الجرثومة فقط!!