من خلال استعراض ما سبق عن علاقة السلوك بالصحة والمرض، ونحن نعيش التوجه العالمي للصحة الشاملة في عقد السلوك فإن هناك ثلاث رسائل موجهة من العقل الى من يهمه الامر حول هذا المفهوم. الرسالة الاولى لكل فرد ينشد الصحة، والجميع يسعى لذلك، بأن الصحة تعني التوافق الحيوي والنفسي والاجتماعي. عليه فإن سلامة الجسد بنية ووظيفة مطلب صحي، وسلامة السلوك الفكري والظاهري ونمط الشخصية مطلب آخر لايقل اهمية عن سابقه للتوافق، هذان المطلبان لن يتحققا بالطريقة الملائمة الا في جو اجتماعي مريح يلبي طلبات الانسان الاجتماعي بطبعه. تفاعل هذه الجوانب ايجابا يعني الصحة الشاملة، والخلل في احد هذه الاركان الثلاثة يعني عدم التوافق وبداية المعاناة. فالواجب على الجميع مراعاة هذا التوازن وقاية للحفاظ على الصحة وللخروج من عالم المرض والمعاناة الى عالم المعافاة. الرسالة الثانية موجهة الى الكادر الصحي بكل فئاته وتصنيفاته بأن السلوك غير الصحي (الظاهري، التفكير المرضي، نمط الشخصية والحياة، الظروف العائلية الصعبة، والوضع الاجتماعي السيئ) مدعاة للمرض مبعد للصحة ولا يقل اهمية عن التعرض لمسببات المرض الحيوية. عليه فان اخذ تلك العوامل بعين الاهتمام كمسببات للاعتلال كعوامل معجلة، مرسبة او مصونة للاعراض (predisposing precipitating and maintaining factors) او ناجمة عنه (consequences) من ابجديات الممارسة الصحية في التشخيص، العلاج، والوقاية. بدلا من التعامل المبتور (البحث عن العامل العضوي وعلاجه كيمائيا او جراحيا) وكأن الانسان عبارة عن ذرات وقطع قائم على مبدأ الاصلاح او الاستبدال. توجه الرسالة الثالثة للنظام الصحي الذي تتبناه وزارة الصحة والذي مازال يعمل تحت مظلة المنظور الحيوي الطبي المعمول به في بدايات القرن العشرين والذي لا يخرج عن علاج الامراض الحدية (The germ theory of disease) معروفة السبب كالامراض المعدية والاصابات العضوية البنيوية، فعلى سبيل المثال كانت الامراض المعدية اول ثلاثة اسباب للوفاة في امريكا (المكتب القومي للاحصائيات الحيوية، 1947). ان معاناة الانسان الصحية في هذا الزمن هي الامراض المزمنة (Chronic Disorders) والتي تشكل الاسباب المؤدية للوفاة والاعاقة، كمرض السكر، وضغط الدم، والقلب، والربو، والتهاب المفاصل والسرطان.. الخ. لقد انتقلت الممارسة في قرننا الحالي ياوزارة الصحة من المنظور الحيوي الى المنظور الحيوي النفسي الاجتماعي الذي يركز على الرعاية الشاملة للمرض والمريض عضويا، نفسيا واجتماعيا. وتحولت الرعاية الصحية في الالفية الحالية من النموذج العلاجي (Curing model) الى النموذج الرعائي (Caring Model) فأين نحن من ذلك؟ في الوقت الذي مازالت وزارة الصحة تطبب (Medicalization) الادارة الصحية؟ قنديل الانسان في صحته ومرضه اشمل من ان ينظر له كمجموعة من الاجهزة يتم التعامل معها من خلال الكيمياء والمشرط.