أمراض زمان في بداية القرن الماضي وما قبله كانت الامراض الفتاكة ذات طابع معد عرف سببه كما هو الحال في الامراض الفيروسية وخلافه، وبتوفيق من الله جلت قدرته استطاع الانسان دراسة تلك الامراض وتم اكتشاف السبب وراءها ومن ثم تم تطوير لقاحات تقي من تلك الامراض. والنتيجة كما يعلم الجميع هي انقضاء تلك الامراض وانحسارها واصبحت المجتمعات المتقدمة تقاس بمدى خلوها من تلك الامراض المعدية والسارية رغم ان مسبباتها من فيروسات وغيرها مازالت موجودة لقد عرفت تلك الحقبة الزمنية في الممارسة بعصر النموذج الطبي- الحيوي كما يعرفه المختصون، والذي فيه يتم التعامل مع الصحة والمرض من خلال وجود الفيروس من عدمه، مع اهمال الجانب النفسي والاجتماعي ايمانا من الباحثين والممارسين بعدم اهمية العوامل السلوكية، والأمر الآخر ان هناك المئات بل الآلاف تموت في اليوم الواحد نتيجة انتشار ذلك المرض، والحاجة ملحة للعلاج وليس الوقاية والبحث. أمراض العصر الذي نعيشه ان طبيعة الامراض التي تهدد الصحة في الزمن الذي نعيشه تأخذ طابعا يختلف عن تلك الامراض المعدية في زمن النموذج الطبي الحيوي، حيث تتسم امراض العصر الحالي بانها: 1 غير معروفة السبب بمعنى عدم معرفة السبب الرئيسي وراء الاصابة حتى يمكن تفاديه بشكل مباشر كما هو الحال في الامراض المعدية على الرغم من تحديد ومعرفة المعاناة من الناحية العضوية. 2 غير قابلة للعلاج حيث ان المدخلات العلاجية لا تخرج عن كونها مضادات للاعراض المرضية وبالتالي فان تلك الامراض اصبحت أمراضا مزمنة وعلاجها مدى الحياة. 3 اثرت هذه الامراض سلبا على جودة الحياة quality of life بالنسبة للمرضى. بمعنى ان متطلبات علاج المرض والذي يستمر مع المريض حتى مماته اثرت على حياة المريض بشكل عام. لقد حددت السلطات الصحية الامريكية الاسباب المؤدية الى الوفاة والاعاقة في: 1 امراض القلب الشريانية coronary heart disease والوعائية cardiovascular disease. 2 السرطان. 3 الانتحار suicide. 4 مرض نقص المناعة المكتسبة HIV/AIDS. 5 الربو. 6 السكر. 7 حوادث المرور. 8 السلوك الادماني. وواقع الحال لدينا لا يختلف كثيرا عما هو موجود في امريكا حيث ان مهددات الصحة في مجتمعنا لا تخلو من هذه القائمة اضافة الى العديد من الاضطرابات الاخرى مثل اضطرابات الجهاز الهضمي والجلد والاضطرابات الوظيفية غير المشروحة طبيا Non-medically explained symptoms، والتي تؤثر على جودة الحياة. ماهية العلاقة بين السلوك وهذه الاضطرابات؟ تلعب العوامل السلوكية دورا رئيسيا في نشوء مثل تلك الاضطرابات وفي علاجها والتحكم فيها من خلال: 1 التأثير المباشر بمعنى ان السلوك هو السبب الرئيسي وراء المشكلة كما هو الحال في مرض نقص المناعة والاضطرابات الجنسية الاخرى التي تنتقل عن طريق السلوك الجنسي وفي حوادث المرور وكذلك السلوك الادماني. 2 التأثير على الجهاز المناعي حيث اصبح معلوما العلاقة ما بين الضغوط النفسية وضعف المناعة. 3 نمط الحياة والشخصية وطبيعة التفكير. 4 جودة الحياة (ونظرا لأهمية تلك العوامل، فسوف نناقشها مفصلة في حلقات قادمة بإذن الله). وخلاصة هذه المقالات عن الصحة والسلوك ان السلوك يلعب دورا رئيسيا في الاصابة بالمرض والتحكم فيه. وعليه فان تصميم البرامج العلاجية يجب ان يأخذ في عين الاعتبار العمل الجاد للممارسة الشاملة والتي تعمل تحت مظلة النموذج الحيوي النفسي الاجتماعي. قنديل أليست مؤسساتنا الصحية بحاجة الى تبني مثل ذلك ام تنتظر حتى يفرض علينا من قبل منظمة الصحة العالمية فلسنا الوحيدين في هذا الكون يا وزارة الصحة.