على الرغم من ضعف الامكانات التي يمتلكها الفلسطينيون في مواجهة آلة القمع الاسرائيلية ، ومقاومة الاحتلال الصهيوني الجاثم على الأرض الفلسطينية منذ عقود طويلة ، إلا أنهم استطاعوا تحقيق إنجازات هامة ، واستنزاف العدو الصهيوني خلال عامين من المقاومة ماديا وبشريا . وتسببت الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت في يوم 28 سبتمبر 2000 في تعرض الاقتصاد الإسرائيلي لأسوأ انتكاسة في تاريخه بعد معدلات النمو التي حققها على مدار العقد الماضي مع بدء مسيرة التسوية السلمية عام 1991 وتوقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 . ضرر بالغ وقال تقرير اقتصادي صادر عن البنك المركزي ان انتفاضة الأقصى ألحقت ضررا بالغا بالاقتصاد الإسرائيلي و خفضت وزارة المالية الإسرائيلية توقعاتها للنمو خلال عام 2002 أكثر من مرة من 4% إلى 2% ثم إلى 0.5% فقط ويتوقع أن يبلغ هذا المعدل صفرا في المائة . وتوقع البنك المركزي الإسرائيلي أن تتراوح الخسائر ما بين 31 و41 مليار دولار خلال العام الحالي أي ما يعادل 5% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي . فيما ذكرت صحيفة معاريف الإسرائيلية أن الأضرار التي ألحقتها الانتفاضة بالاقتصاد الإسرائيلي بلغت 85 مليار دولار بسبب تدهور مختلف القطاعات وفي مقدمتها قطاعات التكنولوجيا والسياحة والبناء والصناعة وما أحدثه ذلك من تأثيرات على أوضاع الميزانية والميزان التجاري ، فضلا عن تدهور مستوى المعيشة . وأشار التقرير إلى تضرر قطاع السياحة أكثر القطاعات الاقتصادية تضررا في إسرائيل من جراء ما سببته الانتفاضة والعمليات الاستشهادية من ذعر أمني ، أدت إلى إلغاء مئات التعاقدات السياحية، حيث هبطت السياحة الخارجية القادمة إلى إسرائيل بنسبة 50% ، وبلغت خسائر القطاع السياحي من جراء ذلك ما بين 21 - 3 مليارات دولار، كما وصلت خسائر قطاع النقل وحده إلى نصف مليار دولار، بالإضافة إلى تكبد شركة الطيران الحكومية العال خسائر بلغت 240 مليون دولار نتيجة إلغاء العديد من الرحلات السياحية ، فضلا عن إغلاق أكثر من 25 شركة سياحية وانخفاض نسبة الحجز في الفنادق بمقدار 66% عام 2001 مقارنة بعام 2000، ليتم الاستغناء عن 65 ألف عامل من أصل 286ألف عامل في قطاع السياحة والفنادق. إنخفاض في النمو وفي الإطار ذاته، انخفضت نسبة النمو في أهم القطاعات الدافعة للنمو الاقتصادي وهو قطاع التكنولوجيا من 12% عام 2000 إلى 4% عام 2001 علما بأن مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي كانت 215% عام 1999 مقابل 83% عام 1990 وانخفضت الصادرات الإسرائيلية من الإلكترونيات الى 15 مليار دولار عام 2000 مقابل 58 مليار عام 1997. وتراجعت القيمة السوقية لأسهم 80 شركة من شركات تكنولوجيا المعلومات المدرجة في مؤشر ناسدك الأمريكي من 53 مليار دولار إلى 34 مليار دولار في نوفمبر 2000 وانخفضت الاستثمارات في هذا القطاع من 8 مليارات دولار عام 2000 إلى 25 مليارا عام 2001 وتراجع الإنتاج الصناعي بنسبة 61% عام 2001 . ووصل عدد الشركات المغلقة الى 300 شركة ، كما يتوقع انهيار حوالي 100 مصنع وإقالة 15 ألف عامل بسبب الأزمة الاقتصادية. هروب رؤوس الأموال وبدوره لم ينج قطاع البناء والعقارات من الخسائر التي لحقته وبلغت 600 مليون دولار، فيما وصلت إلى أكثر من 120 مليون دولار في قطاع الزراعة . وقال التقرير ان الاستثمارات الأجنبية السنوية المتدفقة إلى إسرائيل شهدت تراجعا حادا بنسبه 60%، كما انخفض صافي الاستثمارات الأجنبية في الأوراق المالية إلى خمسة مليارات دولار عام 2001 مقابل 108 ملايين دولار عام 2000 . وعلى جانب آخر، ساهمت الانتفاضة في هروب رؤوس الأموال المحلية التي تم تحويلها من إسرائيل إلى الخارج بقيمة بلغت 28 مليار دولار عام 2001 ليصل إجمالي رؤوس الأموال الإسرائيلية في الخارج إلى أكثر من 71 مليار دولار . وأشار التقرير الذي نشرته صحيفة هآرتس إلى تضاعف عجز الموازنة العامة في إسرائيل من 18 مليار دولار عام 2000 إلى 38 مليارات عام 2001 أي ما يعادل 33% من إجمالي الناتج المحلي، وذلك بسبب النفقات العسكرية والأمنية الضخمة التي تتحملها الميزانية من جراء الاجتياحات الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية، فضلا عن تشديد الإجراءات الأمنية لمواجهة . 30% للشرطة والجيش وقال تقرير البنك المركزي الاسرائيلي والذي نشرته الصحف الاسرائيلية ان الإنفاق على الجيش والشرطة يستنزف حوالي 30% من الميزانية حيث تصل تكلفة استدعاء 20 ألف جندي من الاحتياط شهريا إلى 100 مليون دولار . وشهد سعر صرف الشيكل الإسرائيلي تراجعا كبيرا أمام العملات الأجنبية الأخرى، حيث بلغ حجم التراجع أمام الدولار منذ بدء الانتفاضة في 28 سبتمبر 2000 وحتى مايو 2002 (حوالي 18 شهرا) ما نسبته 36% حيث انخفض من36 شيكل للدولار الواحد في نهاية عام 2000 إلى 47 شيكل للدولار في بداية مارس 2002 إلى أن وصل إلى 49.4 شيكل في مايو 2002 وهو ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الواردات السلعية من العالم الخارجي فضلا عن زيادة معدلات التضخم التي تجاوزت 98% خلال الربع الأول من عام 2002، مما دفع البنك المركزي الإسرائيلي إلى رفع سعر الفائدة في إبريل 2002 بمقدار 02 نقطة مئوية لتصل إلى 46% للحيلولة دون قفز معدلات التضخم ومن ثم انخفاض الدخل الحقيقي للفرد . خسائر متلاحقة وقال التقرير لقد ساهمت الانتفاضة الفلسطينية في ارتفاع العجز في الميزان التجاري الإسرائيلي من 68 مليار دولار عام 2000 إلى حوالي 92 مليار دولار عام 2001 أي بقيمة 24 مليار دولار ، فيما بلغ عجز ميزان المدفوعات 62 مليار دولار عام 2001 مقابل فائض قيمته 600 مليون دولار عام 2000 وهو ما يعود بصفة أساسية إلى انخفاض الصادرات الإسرائيلية بنسبة 16% من 36 مليار دولار2002 إلى 30 مليار دولار عام 2001 نظرا إلى ارتفاع تكاليف النقل والشحن والتأمين في ظل تدهور الأوضاع الأمنية . فضلا عن التوقف شبه التام في المبادلات التجارية الإسرائيلية مع المناطق الفلسطينية بسبب أجواء الحصار والإغلاق، حيث قدرت خسائر التجار الإسرائيليين بحوالي 584 مليار دولار سنويا فيما تراجعت الواردات الإسرائيلية خلال العام ذاته بنسبة 64% ، ويستحوذ الاتحاد الأوروبي على نسبة 44% من تجارة إسرائيل الخارجية مقابل 23% للولايات المتحدة فيما يتوجه نحو 13% من الصادرات الإسرائيلية إلى الأسواق الآسيوية . إنهيار وقال التقرير ان الانهيار الذي يشهده الاقتصاد الإسرائيلي انعكس بصورة سلبية على تدهور أوضاع العمالة والتنمية البشرية حيث كشفت الدراسات عن معاناة ما يقارب من ثلثي الإسرائيليين من سوء المعيشة في ظل تدهور مستويات الدخل الحقيقي وارتفاع الضرائب وتقلص الدعم الحكومي وارتفع عدد الفقراء الى 2.5 مليون شخص عام 2001 مقابل 880 ألفا عام 1999 و1.95 مليون عام 2000، وزادت أعداد الأسر الفقيرة من 7229 أسرة عام 2000 إلى حوالي 311 ألف أسرة عام 2001 وفقا للتقرير . وأدت عمليات الفصل الواسعة في المؤسسات والشركات والمصانع الإسرائيلية المتعثرة اقتصاديا الى ارتفاع عدد العاطين عن العمل الى 271 ألف شخص في الربع الأول من عام 2002 حسب معطيات المكتب المركزي للإحصاء في إسرائيل وذلك مقارنة مع 2144 ألفا فقط في الربع الأول من عام 2001 بارتفاع قدره 25%، مما يعني ارتفاع نسبة البطالة إلى أعلى مستوياتها منذ عشر سنوات إلى 106% مقابل 87% خلال الفترة المذكورة، ويتوقع أن تستمر أعداد العاطين عن العمل في الازدياد لتصل الى 300 ألف شخص أي ما يعادل 115% من مجموع قوة العمل . وأمام هذه الأوضاع أقرت الحكومة الإسرائيلية في بداية مايو 2002 خطة اقتصادية طارئة وتقشفية أثارت أزمة سياسية نظرا إلى ما تتضمنه من خفض الإنفاق العام الموجه إلى المصروفات الحكومية والاجتماعية بما فيها أنشطة الصحة والإسكان بواقع 12 مليار دولار وزيادة الضرائب لجمع 3 مليارات شيكل إضافية (حوالي 600 ألف دولار) بهدف السيطرة على عجز الميزانية المتنامي الذي يتوقع أن يصل الى 6% من إجمالي الناتج . ويرى المراقبون أن أخطر دلالات الأزمة الاقتصادية في إسرائيل أنها بينت للمرة الأولى مدى الانشكاف الاستراتيجي للوضع الداخلي أمام الخارج، ويظهر ذلك في ملمحين أساسيين:- الأول: من المتوقع أن يصل الاقتصاد الإسرائيلي إلى مرحلة الاعتماد الكلي على المساعدات الأمريكية وجماعات الضغط الاسرائيلية في العالم على غرار فترة الثمانينات . (يذكر أن إسرائيل كانت أكثر المستفيدين من المساعدات المالية والعسكرية التي تقدمها الولاياتالمتحدة إلى الخارج بما قيمته 6658 مليار دولار خلال السنوات (1949 - 1996) بينها 215 مليار دولار على هيئة مساعدات اقتصادية و32 مليار دولار هبات اقتصادية و114 مليار دولار منحا عسكرية و6775 مليون دولار قروضا عسكرية لاستيعاب اليهود من شتى أنحاء العالم، وقد تحولت هذه المساعدات الى منح لا ترد منذ عام 1985، علما بأنها تحصل على مساعدات أمريكية سنوية تتجاوز 3 مليارات دولار) . الملمح الثاني: التأثير الذي تركته عمليات المقاومة الفلسطينية على المجتمع الإسرائيلي مما أدى الى تزايد أعداد الهجرة العكسية (المهاجرين إلى خارج إسرائيل) منذ بدء الانتفاضة إلى مليون شخص فيما انخفض حجم القادمين بنسبة 35% عام 2001 ولاسيما في ظل تدهور مستوى المعيشة وارتفاع نسبة البطالة بين المهاجرين أنفسهم إلى 121% في الربع الأول من عام 2002 مقارنة ب 94% خلال نفس الفترة عام 2001.