أقبلت عليه لأشتري تذاكر لإركاب طفلي بعض الألعاب الالكترونية، فأخبرني بأنها تعمل بالقطع المعدنية، وأن القطعة الواحدة ثمنها خمسة ريالات، نظرت الى طفلي، وجدت عينيه معلقتين في اللعبة، دفعت له الثمن، وطلبت منه تشغيل اللعبة، قذف بها في المكان المخصص، زمجرت المركبة المزركشة، ولاح في الشاشة الكبيرة صورة سيارة تستعد للانطلاق، احتار ابني كيف يفعل، جاءه التوجيه بأن يضغط بقدمه الصغيرة على أحد المشغلات، تطاولت ساق حسن، وتقاصر ظهره أمام الشاشة، وضغط المشغل، انطلقت السيارة المجنونة تضرب الشارع الموهوم يمينا وشمالا دون أن يستطيع الطفل أن يسيطر عليها، ومرت الثواني بسرعة البرق أوهي أسرع، وتوقفت اللعبة، نظر طفلي إلي.. فوجمت مكاني، أعاد عينيه الكئيبتين الى اللعبة، أدار المقود يمينا وشمالا بقوة مرة وبرفق مرات أخرى، لا فائدة.. فقد اختفت السيارة تماما من الشاشة.. جاءه الصوت الندي يقول له: لقد انتهت اللعبة.. التفت إلي بعينين غائرتين.. تقولان: هل يمكن أن أشتري قطعة معدنية أخرى؟! السؤال الذي صعقت به بعض مرتادي مدن الألعاب وصالات الترفيه في المناطق السياحية: لماذا يبكي الأطفال هنا ويغضبون أكثر مما يضحكون، مع أن المرح يرقص في كل زاوية؟ في احدى الحدائق الضخمة.. تزين كل شيء، البوابة تداعب عيون السياح على بعد مئات الأمتار، والألعاب الضخمة تحمل المصطافين بشتى الصور والألوان، وتسمع صراخهم وعويلهم وصفيرهم كالرياح الهوج، وضحكاتهم تشق أجواء الفضاء ثم تنطفىء فجأة، تقترب بأسرتك المكونة من سبعة أو ثمانية أفراد، فإذا بالناس ينتظرون الدور، لماذا؟ التذكرة هنا بعشرة ريالات للفرد الواحد.. وأقل من سنتين مجانا.. تفضل سبعين ريالا.. تلج الحديقة، يمكنك الآن أن تشتري تذاكر الألعاب، التذكرة بخمسة ريالات، مدة اللعبة لا تتجاوز دقيقة واحدة، واذا تجاوزت ذلك الى دقيقتين أصبحت بعشرة ريالات.. ومئتين أو أكثر ليستمتع كل طفل.. أو شاب بثلاث أو أربع لعبات.. أبي أريد أن أدخل السرك.. اذهب.. لا.. لا أريد أن أدخل وحدي.. هيا بنا جميعا إذن.. بكم التذكرة؟ الفرد بعشرة ريالات.. وسبعين ريالا للجميع.. أبي نريد ماء.. انظر هناك كوخ صغير مضاء.. اشتر لنا ماء، وخذ بعض الفطائر للجميع.. القارورة التي لا تكلف نصف ريال.. تباع هنا بريالين.. والفطيرة التي لا تكلف ريالين تباع من أجل عيون المصطافين هنا بخمسة ريالات.. تريد أو ابق عطشانا أو جائعا.. كيف.. بل أريد.. ولا أبقى عطشانا.. ولا جائعا.. وأكثر من تسعين ريالا للماء والفطائر.. أوه.. آيس كريم من النوع الذي أموت فيه.. (باسم الله عليك) لا تمت.. واشتر للجميع آيس كريم.. بكم أقل أنواعه ثمنا؟.. بأربعة ريالات.. وأكثر من ثلاثين ريالا للآيس كريم الذي لا يزيد سعره في الخارج على نصف المبلغ.. لقد تعبنا.. فلنجلس في احدى الجلسات العائلية (مترين في مترين) لنستريح ونأكل ما اشتريناه.. بكم الجلسة؟ بسعر زهيد.. فقط بخمسين ريالا... فقط إذن لماذا أخذتم مني تذاكر الدخول؟!! أبي.. هيا بنا فقد كاد الليل ينصرف، وأخشى أن يغلق التلفريك أبوابه وقد وعدتنا يا أبي أن تركبنا فيه.. هيا بنا.. وهنا يجلس شاب أنيق يقول لك بابتسامة عريضة: التذكرة للفرد الكبير بثلاثين ريالا، والصغير بنصفها... هذا التلفريك الذي يجري في مدى قصير، وعلى مناظر يمكن مشاهدتها جميعا بالعين المجردة بكل وضوح.. ولكن.. لم يحدث شيء.. أكثر من مئتي ريال لتحقيق هذه الأمنية الغالية في نفوس الأطفال.. بل والكبار.. والصوت الندي يقول: فعلا كثير من السياح يقولون ما تقول.. ولكن هناك من يدفع دون مبالاة!!! وفي النهاية.. أترك جمع التعليقات لصناع السياحة من المستثمرين الجشعين.. وجمع المبالغ للقراء الأعزاء..!!!