كنتُ قد وعدتُ “القوم” -في مَقالي السابق- بأنَّني سأكتب “بصَراحة بيضاء” عن بَداياتي الكِتَابيّة، “النَّثريّة” مِنها و”الشّعريّة”، وكيف أنَّها كانت مُعتمدة على “السَّرقة”، و”اللطش” و”الاختلاس”!حَسناً، لنَبدأ بالنَّثر، والنَّثر -كما يَقول شَاعرنا الكبير “نزار قبّاني”- “فضيحةٌ كُبرى”، لأنَّه يَفضح مَن يَتعاطونه، ويَكشف عوراتهم، لذا كانت بداياتي الكِتَابيّة تَعتمد على “سَرقة” بَعض المَقالات والفَقَرَات مِن الكُتب، التي كَانت مُقرَّرة علينا في المَعهد العلمي!لقد بدأتُ الكِتَابة في عام 1402ه، مِن خلال مَقال نَشرته في جريدة “المدينة”، تحت عنوان: “صفة صَلاة النَّبي صلَّى الله عليه وبَارك”، وقد لطشتُ هذا الموضوع مِن شَرح كِتَاب “بلوغ المَرَام” وأظنّه “للحافظ ابن حجر العسقلاني”.. لأنَّني لم أعد أتذكَّر شيئاً، مَضى عليه أكثر مِن عشرين سَنة!والحقيقة أنَّني استحليتُ “الشّغلة”، وبدأتُ ألطش وأنشر في جريدة “المدينة”، وفي جريدة “عكاظ”، وكانت أكثر سَرقاتي مِن كِتاب “صور مِن حياة الصَّحابة”، للأستاذ الجليل “عبدالرحمن رأفت الباشا”، لأنَّني كنتُ مَسحوراً بأسلوبهِ “البديع” و”الفصيح”!مَكثتُ على هذا “الوَضع” -تَقريباً- سنتين، ثُمَّ –وبحُكم المُمارسة- صِرتُ مُبدعاً في السَّرقة، وتحوّلتُ مِن سَارق إلى “بَائع مَسروقات”.. وصرتُ أكتب لزُملائي في الفَصل، أولئك الذين يُعانون مِن إمساك في التَّعبير، وفقر في التَّفكير، وبدأتُ أكتب لهم مُقابل “جُعل” مَالي، فمَتى كَلَّفنا المُدرِّس بكِتَابة موضوع عن “النَّظافة”، أكتب موضوعي، ثُمَّ أُؤجِّر نَفسي لمَن أراد مِن زُملائي، بحيثُ أكتب لمَن يُريد، بشرط ألَّا يَتشابه موضوع مَع آخر… إلخ، هَذا مَا يَخصّ النَّثر..!أمَّا الشّعر، فمَع الأسف كَانت بَدايتي الشِّعريّة بسَرقة “فَاحشة”، حيثُ أقامت إحدى المجلَّات –وأظنّها مجلّة “كُلّ النَّاس”- مُسابقة، فسَرقتُ قَصيدة أظنّها للشَّاعر العَذب “فاروق شوشة”، وفازت قَصيدتي “المَسروقة” بمائة دولار، وأخذتها مِن غير جُهد أو تَعب!! آه.. مَا أحلى السَّرقة!!!طبعاً، الآن لَم أعد أسرق، بَل الصَّحيح أنَّه يُسرق منِّي، وهكذا –كَمَا تَدين تُدان- لذا أخذ ضَميري يُؤلمني، فشكوتُ الحال إلى صَديقي الثَّقافي الصَّادق “عبدالعزيز الخِضر”، فقال لي: يا أخي لا تَقلق، فأنتَ سَرَقتَ عندما كُنتَ صَغيراً “كِتابيًّا”، الآن عَفَا الله -جلَّ وعزّ- عمَّا سَلف، فعلاً.. ! فكّرتُ في الأمر، فوجدتُ أنَّ الرَّائد عبد العزيز”الخِضر” مُصيباً، لأنَّ عُمْر النُّضج الكِتَابي عند الإنسان هو أربعين سَنَة، فمثلاً نَرى الأستاذين القديرين د. “حمزة المزيني” و”عبدالله الشريف”، لم يَكتبا إلَّا بَعد الأربعين، وكذلك جاء في سيرة موسى –عليه السَّلام- في سورة القَصَص: (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت علي)، وهذا كُلّه يَدل على أنَّني لم أَبلغ سن النّضوج؛ إلَّا العَام المَاضي حين بَلغتُ الأربعين!حَسناً.. مَاذا بَقي..؟! بقي القول: إنَّني- يا قوم – أحتاج إلى مُفتي يُفتيني “مَأجوراً”، في مَدى نَظافة “الأموال” التي أتلقَّاها مِن الكِتَابة، لأنَّني قرأتُ فَتوى لشيخنا الجليل “عبدالعزيز بن باز” –يَرحمه الله- يَقول فيها: (مَن بَدَأ تجارته بحَرَام، فإنَّ دخله مِن هذه التّجارة حَرَام مَدى الحياة، إلَّا أن يَتطهَّر مِن هذا الحَرَام)!يا قوم.. كيف أتطهَّر مِن هذا “الحَرَام الكِتَابي”، الذي بَدأتُ به تجارتي “الكِتَابيّة”، وأنا الآن أستلم عَلى الكَلمة “ثلاثة ريالات”؟!. تويترarfaj1 [email protected]