اطلع أكثر من مليون زائر وزائرة من المواطنين والمواطنات ومن مختلف الجنسيات العربية والأجنبية ، عن كثب على قصة كفاح المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (تغمده الله بواسع رحمته) أثناء توحيد المملكة العربية السعودية التي احتضنها حصن المصمك بالرياض على مدى عقود من الزمن، حيث يروي الحصن لزواره بعد أن تحول إلى متحف تاريخي عام 1416ه، مراحل بناء الدولة السعودية، ومنها مرحلة استرداد الرياض في شهر شوال عام 1319ه الموافق 1902م. وتعود قصة بناء المصمك حسبما ذكرت دارة الملك عبدالعزيز ، إلى عهد الإمام عبدالله بن فيصل بن تركي آل سعود الذي شرع في تشييده عام 1282ه/ 1865م ضمن قصر كبير في الرياض، بينما أطلق عليه المصمك نسبة لمواصفات بناءه السميكة والمرتفعة، ليظل على مدى 147 عاماً متربعاً وسط الرياض القديمة التي يقطعها آنذاك شارع شمالي جنوبي يسمى “السويلم” وشرقي غربي يسمى “الثميري”، محاطة بسور طيني يبلغ ارتفاعه 20 قدم، تعزلها عن العالم الخارجي خمس بوابات هي ” الثميري، والسويلم، ودخنه، والمذبح، والشميسي”. ولم تغب مكانة حصن المصمك في الرياض الحديثة، فقد برز بشموخه التاريخي العريق وبناءه الطيني القديم وسط المباني الحديثة والطرق المعبّدة التي تجاوره، محيطة بأركانه وجدرانه إضاءات بألوان الذهب تعكس للناظر “حينما يدنو النهار” هيبة حضور الحصن الذي وصفه المعماري البريطاني المعروف كريستوفر الكسندر بأنه “الغموض الممتع” الذي يدفعك إلى المشاهدة ومحاولة الاكتشاف، حيث جمع المصمك في تصميمه ما بين الصرح العمراني العريق وتكوين العمارة التقليدية. وقد تم بناء حصن المصمك من اللبن والطين الممزوج بالتبن، أما الأساس فقد بني من الحجارة، وكسيت جدرانه الخارجية والداخلية بلياسة من الطين، فيما كسيت أعمدته ومداخل أبوابه بطبقة من الجص، واستخدم في تغطية أسقفه خشب جذوع شجر الأثل، والجريد، وسعف النخل المغطى بطبقة من الطين، ليبرز هذا الموروث المعماري البسيط أهمية المصمك كحصن دفاعي من جهة، وكوسيلة لترسيخ عُمق الهوية السعودية من جهة ثانية. وفي عام 1399ه، قامت أمانة مدينة الرياض بوضع خطة ترميم شاملة للحصن، وأجريت له إصلاحات عامة من الداخل والخارج اكتملت عام 1403ه، فصدرت توجيهات المقام السامي بتسليمه إلى الإدارة العامة للآثار والمتاحف، تبعها توجيهات من نائب خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود “حينما كان أميراً لمنطقة الرياض آنذاك”، بتحويل المصمك إلى متحف متخصّص عن مراحل توحيد وتأسيس المملكة، ليتم افتتاحه من لدن سموه في 13/1/ 1416ه. ويتميز حصن المصمك بوابته الخشبية الرئيسة الواقعة في الجهة الغربية للمبنى على ارتفاع 60ر3 متر وعرض 65ر2 متر، وبسمك 10 سنتيمترات، ويوجد على البوابة ثلاثة عوارض يصل سمك الواحدة منها نحو 25 سنتيمتر، وفي وسطها فتحة ضيقة تُسمى “الخوخه”، وعند عبور الزائر هذه البوابة لدخول الحصن، يلفت نظره في الجهة اليسرى “المسجد” الذي يحتوي على عدة أعمدة طينية سميكة، وفي جدرانه أرفف متعددة للمصاحف، إضافة إلى محراب مجصّص وفتحات للتهوية في السقف والجدران. كما يتميز ب”الديوانية” التي تقع في مدخله الغربي، محتوية على غرفة مستطيلة الشكل يقف في زاويتها ما يسمى بالوجار (مكان إعداد القهوة)، ويخترق الهواء جهتها الغربية والجنوبية عبر فتحات للتهوية والإنارة، في حين يتوسط فناء الحصن من الجهة الشمالية الشرقية “البئر” الذي تُسحب منه المياه عن طريق المحالة المركبة على فوهته بواسطة الدلو، ليمدّ أرجاء المصمك بالمياه اللازمة للشرب. وللمصمك أربعة أبراج مخروطية الشكل، يبلغ ارتفاع الواحدة منها (14 متراً) وفي الوسط يوجد برج يسمى “المربعة” بطول ( 18 متراً) يطل على الحصن من خلال الشرفة العليا، كما يوجد فناء رئيسي تحيط به غرفة ذات أعمدة متصلة ببعضها البعض داخلياً، ويوجد بالفناء درج في جهة الشرقية يؤدي إلى الدور الأول من الحصن والسطح، علاوة على ثلاث وحدات سكنية الأولى استخدمت لإقامة الحاكم، والثانية كبيت للمال، والثالثة لإقامة الضيوف. ولم تقف عجلة تطوير حصن المصمك إلى هنا، بل دشن صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، مطلع العام الهجري الجاري، خطة تطوير العروض المتحفية فيه، لترتفع أجنحة الحصن من خمسة إلى عشرة أجنحة تحتوي على أكثر من 17 قاعة، تحكي تاريخ فناء المصمك، وزمن استرداد الرياض، واقتحام المصمك، والروّاد، والرياض القديمة، والمصمك واستخداماته، والقاعة الأخيرة، وفناء البئر، والعروض المؤقتة، علاوة على قصة توحيد المملكة وانجازات الملك عبدالعزيز (تغمده الله بواسع رحمته) مزودة بالصور والخرائط والمجسمات والأفلام التوضيحية. وفي السياق ذاته ، قال مدير متحف المصمك التاريخي ناصر بن عبدالكريم العريفي : إنه تم ضمن خطة هذه الأعمال إنشاء محطة لزيادة الطاقة الكهربائية بالحصن، واستخدام أساليب إضاءة حديثة داخل قاعاته وغرفه، علاوة على تكييف المبنى وفق أرقى أنظمة التكييف المخفية، وتركيب مظلات في بعض مساحاته لحجب الشمس والغبار عن الزائرين، وتركيب شاشات عرض تلفزيونية في بعض القاعات والأبراج، وتأثيث الديوانية، وتجهيز قاعة لاستقبال كبار الزوّار. ولفت العريفي في حديثه لوكالة الأنباء السعودية ، إلى أن الأفنية الداخلية لحصن المصمك، مثل: فناء البئر، أعيد تأهيلها بشكل جديد مع الاحتفاظ بمعالمها التاريخية القديمة، كما تم وضع مدفع قديم في مدخل الفناء، وبعض الأحواض الحجرية، إلى جانب معالجة بعض الأسقف الخشبية، وتصريف المياه الأمطار، واستبدال المزاريب المنكسرة، وتخصيص متجر لبيع الهدايا التذكارية للزوّار، وتجهيز مقهى لتناول القهوة العربية الأصيلة في الحصن وبعض المأكولات الشعبية. وأوضح أن صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار ، وجه بفتح أبواب حصن المصمك للزوّار مدة ستة أيام في الأسبوع ، على فترتين صباحية تبدأ من الساعة 8 صباحاً حتى 12 ظهراً، ومسائية من الساعة 4 حتى الساعة 9 مساءً ، مبيناً أن حصن المصمك زاره العديد من المواطنين والجنسيات العربية والأجنبية بمن فيهم البعثات الدبلوماسية وضيوف المملكة، وبلغ عددهم منذ أن تحول الحصن إلى متحف أكثر من مليون زائر وزائرة. وأبان أن حصن المصمك يفتح أبوابه كذلك خلال فترات العيدين، واحتفالات ذكرى اليوم الوطني، والمناسبات الوطنية الأخرى، مع تأمين مرشدين سياحيين للزوار لشرح مكونات القصر.