لا تزال الأزمة السورية تحتل مركز الصدارة في الاهتمامات الإقليمية والعالمية بسبب تفاقم الأوضاع في سورية وفشل أي مبادرة حتى الآن في وضع حد لنزيف الدماء في هذا البلد الهام والمفصلي في منطقة الشرق الأوسط. ومع أن الاحتجاجات في سورية بدأت سلمية وكان اللاعبون الأساسيون في الأزمة هم الشباب الذين نزلوا إلى الشارع ليعبروا عن مطالب مشروعة حتى باعتراف النظام نفسه، إلا أن تسارع الأحداث والرد العنيف الذي قابلت به السلطات السورية أوجد دينامية جديدة للأزمة وبرزت قيادات داخل وخارج البلد في محاولة لركوب التيار وقيادة الثورة. وقد أدى الاستخدام المفرط للقوة من قِبل قوات النظام السوري إلى ردات فعل انتقامية فردية في البداية من الشارع السوري، إلا أن شكلاً أكثر تنظيماً سرعان ما برز على الساحة السورية تشكَّل من بعض ضباط وأفراد الجيش السوري الذين فروا من صفوف الجيش السوري النظامي وأعلنوا انشقاقهم عنه ليشكلوا نواة ما أصبح يطلق عليه الآن "الجيش السوري الحُر". فما هو هذا الجيش وما المهام التي يقوم بها في إطار الأزمة السورية المتفاقمة؟ نشر "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" مؤخراً تقريرا مفصلاً عن هذا المكّون الهام في المعادلة السورية، جاء فيه أن الجيش السوري الحُر مشتبك حالياً في عمليات قتالية فيما لا يقل عن ست من محافظات البلاد ال14، وقد ألحق خسائر فادحة بين صفوف أفراد ومعدات النظام أكثر من أي وقت مضى منذ بدء مشاركته في الانتفاضة. وأضاف التقرير أن الجيش الحُر والدعم الشعبي الذي يحظى به آخذان في النمو، وتمتلك قواته أنواع الأسلحة المطلوبة لهذا النوع من الحرب التي تخوضها. وعلى الرغم من أن الميليشيات لم تهدد بعد بقاء النظام، إلا أنها أرغمت القوات الحكومية - على الأقل مؤقتاً - على الانسحاب من بعض المناطق، بما في ذلك تلك القريبة من العاصمة. عمليات تشكيل الجيش الحر يقول تقرير معهد واشنطن إن بعض أفراد الأمن والجيش التابعين للنظام يواصلون الانشقاق منه والانضمام إلى الجيش السوري الحُر. وتعمل هذه القوات الوافدة على تقوية كتائب الجيش الحُر القائمة وتحفيز تشكيل وحدات جديدة. إن الموضوع الذي يحث معظم المنشقين هو رغبتهم في تجنب قتل المدنيين والخوف من الانتقام في حالة رفضهم القيام بذلك، والمعارضة الأوسع للنظام نفسه. كما أن المصادمات بين "الجيش السوري الحُر" والقوات الحكومية تُعد عاملاً محفزاً جوهرياً آخر لهذه الانشقاقات. وبالإضافة إلى ذلك، انضم بعض المدنيين من المناطق التي تضررت من عمليات النظام إلى "الجيش الحُر"، والواقع أن بعض الوحدات قد تكون جماعات دفاع محلية مستقلة تعمل تحت اسم "الجيش السوري الحُر". وفيما يتعلق بالدعم الشعبي، فإن فشل الأساليب الأخرى لإنهاء عنف النظام قد دفع أعداداً متزايدة من السوريين إلى الوقوف بجانب "الجيش السوري الحُر". ويُقدِّر الشعب واقع وجود أفراد "الجيش الحر" في الشوارع واشتباكاتهم بقوة وفعالية مع قوات النظام، واستعدادهم لتكبد خسائر في هذه العملية. الهيكل التنظيمي للقوات أشارت التقارير الإعلامية وبيانات "الجيش السوري الحر" إلى وجود نحو 37 كتيبة، يبدو أن ما بين 17 إلى 23 منها تشارك بفعالية في عمليات قتالية. ويمثل هذا العدد زيادة عن أواخر نوفمبر، عندما أفادت التقارير عن وجود ما بين 20 إلى 22 كتيبة بشكل إجمالي من بينها 16 إلى 20 كتيبة كانت منخرطة بشكل فعلي في عمليات قتالية. وبالإضافة إلى ذلك، ادعى "الجيش السوري الحر" أن لديه ما يصل إلى 40 ألف فرد، بعد أن كان العدد 20 ألفا في نوفمبر، غير أن هذه مبالغات على الأرجح. وعلى افتراض (على أقصى تقدير) أن القوة الاسمية لكتيبة في "الجيش السوري الحُر" تتضمن من 100 إلى 200 فرد، وأن ما يسمى بالكتائب ال37 قائمة بالفعل، فإن التقدير الأكثر معقولية سيكون 4000 إلى 7000 فرد. إلا أن هذا يمثل زيادة كبيرة عن تقديرات نوفمبر. ويحصل "الجيش السوري الحُر" على بعض الأسلحة من المنشقين، بينما يتم الاستحواذ على الأسلحة الأخرى أو تهريبها أو حتى شراؤها من قوات الجيش النظامي. ويبدو أنه لا يوجد نقص في الأسلحة الصغيرة وأسلحة الأطقم الخفيفة، بما في ذلك البنادق الهجومية والرشاشات المتوسطة والقذائف الصاروخية وبنادق القناصة المزوَّدة بمناظير. كما يدّعي "الجيش السوري الحُر" أنه يستخدم العبوات الناسفة ضد مركبات النظام، وقد دعمت مقاطع الفيديو هذا الزعم. وبالإضافة إلى ذلك، بدأ باستخدام المركبات للنقل التكتيكي للقوات المجهزة بدروع ورشاشات مرتجلة. وقد يكون التطور الأكثر أهمية للأسلحة هو حصول "الجيش السوري الحُر" على أسلحة متقدمة مضادة للدبابات قادرة على تدمير حتى مركبات النظام الأكثر تدريعاً. ويزعم "الجيش الحُر" أنه استخدم القذائف الصاروخية من نوع "آر. پي. جي. 29" لتدمير مركبة مشاة مقاتلة تابعة للنظام في درعا، وعرض مقاطع فيديو عديدة تشير إلى أنه قام بتوجيه صواريخ مضادة للدبابات أيضاً. التطورات العملياتية تتركز أنشطة "الجيش السوري الحُر" في محافظات إدلب وحماة وحمص وريف دمشق ودرعا ودير الزور. ومن بين الاشتباكات ال 180 التي تحدثت عنها التقارير بين أوائل نوفمبر وأواخر يناير، وقع ثلث المصادمات تقريباً في محافظة إدلب، ونحو الربع في درعا. وقد تصاعدت الاشتباكات بشكل كبير في محافظة ريف دمشق، بما في ذلك أحياء العاصمة نفسها. وفي بعض الأحيان عملت وحدات "الجيش السوري الحُر" في شوارع محافظة إدلب ومدن حمص وحماة والزبداني، وتمكَّنت من إحكام سيطرتها على بعض المناطق الصغيرة (مثل أجزاء من حمص والزبداني نفسها). وقد شملت عملياته الأكثر شيوعاً مهاجمة مواقع النظام (والتي تتمثل بصفة أساسية في نقاط التفتيش)، والدفاع عن المتظاهرين والمناطق المحلية، ونصب كمائن لقوات النظام. ويبدو أن نطاق وكثافة القتال آخذين في التصاعد. فمحافظات إدلب ودرعا والآن ريف دمشق تشهد اشتباكات عديدة أسبوعياً. وفي الفترة بين 15 إلى 18 يناير، شهدت الزبداني صراعاً قوياً خصص له النظام قوة بحجم كتيبة على الأقل، شملت مدرعات. وقد ألحق "الجيش السوري الحُر" خسائر بالمركبات المدرعة، والمركبات غير المدرعة، والأفراد، مما دفع وحدات النظام إلى الانسحاب. التأثير يُسهم "الجيش السوري الحُر" في الضغط على قوات النظام مما يجعلها تعمل بصفة مستمرة تقريباً وتشتبك في عمليات قتالية متكررة. هذا بالإضافة إلى الضغط الناشئ عن مئات المظاهرات المدنية السلمية التي تقع في جميع أنحاء البلاد كل أسبوع. وقد اضطر النظام إلى نشر قوات أكبر وإجراء عمليات أكثر عنفاً، مما زاد من خسائره. ورغم أن استنزاف أفراد النظام لم يمثل أهمية بعد من الناحية العددية، إلا أنه من المحتمل أن يؤدي منظر المركبات الحكومية المحروقة والجنود القتلى إلى توحيد المعارضة وخفض المعنويات بين الموالين للنظام. وعلاوة على ذلك، أصبح تحرك القوات الحكومية على الأرجح أكثر صعوبة في إدلب ودرعا، وسوف تؤدي الهجمات على الوحدات الصغيرة والهجمات بالعبوات الناسفة على المركبات الفردية والمواكب إلى استنزاف موارد النظام وزيادة خسائره. ولم تتمكن القوات الحكومية بعد من القضاء على "الجيش السوري الحُر" في أي منطقة. وكما ذُكر سابقاً، فإن وجود وحدات "الجيش الحُر" يوفِّر نقطة حشد للمنشقين ومصدر دعم لعناصر المعارضة المحلية، بينما يؤدي العنف المتزايد من جانب النظام إلى قيام المزيد من الانشقاقات، ويبدو أنه يخلِّف وحدات إضافية تعمل تحت راية "الجيش السوري الحُر". إلا أن "الجيش السوري الحُر" لا يزال يواجه تحديات كبيرة. فعند مواجهته لقوات النظام المحتشدة، لم تتمكن وحدات الميليشيات من المقاومة لفترة طويلة، وبدلاً من ذلك انسحبت لتجنب الدمار. ويبدو أن كتائب "الجيش الحُر" تقاتل وحدها ولم تُظهر بعد أنها قادرة على تنسيق العمليات على أساس إقليمي. ومن غير الواضح إلى أي مدى تمارس قيادة "الجيش السوري الحُر" في تركيا سيطرة فعلية على العمليات، باستثناء توفير التوجيهات العامة. ومن غير المؤكَّد كذلك مقدار حُرية العمل الذي تسمح به تركيا لهؤلاء القادة. وهذا يعني أن وحدات "الجيش الحُر" تُجري بصفة أساسية عمليات مستقلة فيما يجري النظام عمليات منسقة. وقد جاء ذكر "مكتب التخطيط الإستراتيجي" في بعض بيانات "الجيش السوري الحُر"، في إشارة إلى قيام جهود لتحسين التنسيق. كما تفيد التقارير أن الميليشيات تعمل على توطيد العلاقة مع "المجلس الوطني السوري" من أجل تنسيق أفضل للأنشطة السياسية والعسكرية للمعارضة، لكن نتائج ذلك غير واضحة بعد. التداعيات يُواجه نظام الأسد معضلة، فكلما قاتل بعنف أكبر، قويت المعارضة المسلحة وغير المسلحة، وذلك يُسهم في التصور القائل بأنه يفقد ببطء السيطرة على الأراضي والوضع بشكل عام. وفي غضون ذلك، فإن الصراعات المسلحة وغير المسلحة تعزز بعضها البعض. فعلى سبيل المثال، تم تكريس جولة من مظاهرات الجمعة الأخيرة ل "الجيش السوري الحُر"، مما يظهر درجة القبول التي حظي بها كمدافع عن الشعب. وهذا الانسجام الناشئ يُمثل تحدياً أكثر صعوبة بالنسبة للنظام.