أدى انهيار حكم العقيد الليبي معمر القذافي على أيدي المعارضين له إلى حالة من التخبط في الاتحاد الأفريقي الذي وجد نفسه مهمشا ومنقسما على ذاته حيث يسيطر الغضب في صفوفه إزاء حملة القصف التي يقودها الحلف الأطلسي في ليبيا. فالاتحاد الأفريقي يقف في موقف متناقض، فبينما لم يعترف الاتحاد ككل بالمجلس الانتقالي للمعارضة الليبية باعتباره الممثل عن الشعب الليبي اعترفت به عدة بلدان أفريقية كل على حدة. ويقول الويس هابيمانا من منظمة هيومن رايتس ووتش إن الجهود غير الموفقة لإجراء محادثات بين المتمردين والقذافي -- والتي رفضها المتمردون وتجاهلها الغرب - أضرت بمصداقية الاتحاد الأفريقي. وقال هابيمانا "بإخفاقه (الاتحاد) في إدراك أن عمليات القتل التي ينفذها القذافي قوضت مشروعية حكمه وجعلته أنسب للمثول أمام محكمة دولية عنه للجلوس على طاولة مفاوضات، ارتكب الاتحاد الأفريقي خطأ فادحا". وتابع قائلا "وجدت قيادة الاتحاد الأفريقي نفسها منقسمة بين فعل الصواب من ناحية، والتضامن من ناحية أخرى مع أحد زعمائه البارزين رغم أن أفعاله تناقض بشكل واضح المبادئ المعلنة للاتحاد الأفريقي وقيمه". ولاشك أن العديد من الزعماء الأفارقة يدركون أنهم يواجهون معارضة قوية في الداخل، ومن ثم تجنبوا الحديث عن الثورة حيث إن الكثيرين منهم يمسكون بالسلطة منذ عقود على أساس انتخابات مطعون في مصداقيتها. وبعض الزعماء مثل الرئيس الزيمبابوي روبرت موغابي كانوا قد وجدوا في القذافي حليفا لهم على أساس ما يجمعهم من عداء للغرب. ويقول بول-سايمون هاندي من المعهد الجنوب أفريقي للدراسات الأمنية "جاء رد فعل الاتحاد الأفريقي متأخرا إزاء الأزمة لأسباب عدة"، مشيرا إلى أن القذافي كثيرا ما قدم الأموال الطائلة للاتحاد الأفريقي. وأضاف هاندي "ليس أقله أن بعض رؤساء الدول وقعوا في موقع حرج بسبب ما يربطهم من علاقات شخصية بالقذافي". غير أن الضربات الجوية الغربية هي التي أثارت حنق الاتحاد الأفريقي الذي شعر أن هجمات حلف شمال الأطلسي "تجاوزت تماما روح قرار مجلس الأمن إن لم تتجاوز نصه" بحسب قول توم كارجيل من معهد تشاتام هاوس البريطاني. وأضاف هاندي "شعر الزعماء الأفارقة بالغضب البالغ إزاء تجاهل حلف الأطلسي لهم، إذ شعروا أن أحدا لم يعر انتباها لنصيحتهم كما لم يعهد بأي دور لهم". وتابع كارجيل "كثيرا ما طلب المجتمع الدولي منهم إيجاد حلول أفريقية لمشكلات أفريقيا.. ولكن حينما وقعت مشكلة من هذا النوع جاءت البلدان الغربية وهمشتهم تماما". وبدلا من حماية المدنيين ينظر كثيرون إلى غارات الحلف الأطلسي باعتبارها وسيلة لتغيير النظام وهو ما ينظر إليه، بحسب كارجيل "كتدخل عسكري غربي لقوى استعمارية جديدة". ويقول كارجيل "ربما لا يفهم المراقبون من الخارج هذا الأمر، غير أن القادة الأفارقة شعروا بالحاجة إلى التضامن أفريقيا"، مشيرا بالأخص إلى الغضب البالغ من جانب القادة الجنوب أفريقيين الذين أطاحوا هم أنفسهم بنظام الفصل العنصري. ويقول هابيمانا إنه من المأمول أن يتعلم الاتحاد الأفريقي درسا من الأزمة رغم خسارته لأموال طائلة كان القذافي يقدمها. ويضيف "المؤسسات من قبيل الاتحاد الأفريقي ينبغي أن يكون هدفها ضمان تحقيق مطالب الشعوب بدلا من حماية الطغاة الذين ترفضهم شعوبهم التواقة للحرية ولسيادة القانون". ويتبع هابيمانا ذلك بالقول "بسقوط القذافي بات أمام الليبيين فرصة فريدة لبناء بلد أفضل استنادا إلى حقوق الإنسان وسيادة القانون -- وسيكون للاتحاد الأفريقي دور محوري في مساعدة الليبيين في الاستفادة من تلك الفرصة".