أكدت هيئة أركان الجيش الفرنسي أمس، الأنباء التي تحدثت عن تزويد المتمردين الليبيين أسلحة فرنسية، في وقت رحّب «المجلس الوطني الانتقالي» الذي يمثّل الثوار سياسياً، بحصولهم على أي نوع من المساعدات الإنسانية أو اللوجستية، وحتى العسكرية، كما وعد بإجراء مراجعة للعقود التي تمَّ توقيعها خلال حكم العقيد القذافي، وإلغاء ما يثبت وجود فساد فيها. وجاء تأكيد الجيش الفرنسي بعدما ذكرت صحيفة «لو فيغارو» أمس، أن باريس أنزلت بالمظلات أسحلة لثوار الجبل الغربي (جبل نفوسة)، في محاولة لمساعدتهم على التقدم نحو معقل الزعيم الليبي معمر القذافي في العاصمة طرابلس. لكن الحكومة الليبية أكدت بعد ظهر أمس، أنها ما زالت تتحكم بالوضع في المنطقة المحيطة بالجبل الغربي، نافية تقدم الثوار نحو العاصمة. وكتبت «لو فيغارو»، نقلاً عن مصادر لم تكشف هويتها، أن فرنسا أسقطت بالمظلات «كميات كبيرة» من الأسلحة، بينها قاذفات صواريخ وبنادق آلية ومدافع رشاشة وصواريخ مضادة للدبابات على منطقة جبل نفوسة. وتابعت أن قرار فرنسا إرسال الأسلحة تم من دون التشاور مع شركائها في حلف شمال الأطلسي، و «اتُّخذ لأنه لم تكن هناك وسيلة أخرى للمضي قدماً». وتابعت «لو فيغارو»، وفق ما أوردت «رويترز»، أنها شاهدت خريطة سرية عليها ختم جهاز المخابرات الفرنسية، تُظهر مناطق مختلفة في منطقة الجبل الغربي (نفوسة)، بينها يفرن ونالوت، تخضع لسيطرة الثوار ويمكن إرسال أسلحة اليها. وحقق مقاتلو المعارضة في منطقة الجبل الغربي الواقعة الى الجنوب الغربي من طرابلس، أكبرَ تقدم منذ أسابيع، بالوصول يوم الأحد الى بلدة بئر الغنم، حيث يقاتلون قوات القذافي للسيطرة على البلدة. وقالت هيئة الأركان الفرنسية بعد الظهر، إن طائرات فرنسية ألقت أسلحة خفيفة إلى الثوار الليبيين والسكان المدنيين في جبل نفوسة، مؤكدة بذلك جزئياً معلومات «لو فيغارو». وقال محمود شمام، المسؤول الإعلامي في المجلس الوطني الانتقالي الليبي، إنه لا يعلق على المواضيع العسكرية، لكن المجلس الانتقالي يرحب بأي مساعدات إنسانية أو لوجستية، وحتى عسكرية «للدفاع عن أنفسنا وإنهاء المعارك وتحقيق النصر»، خصوصاً وأن «تسليحنا لا يرقى إلى مستوى ترسانة» العقيد القذافي. وأضاف: «أسلحتنا خفيفة، ونعاني من نقص في الذخيرة». وهو كان يتحدث إلى الصحافيين في باريس بعد المحادثات التي أجراها «رئيس الوزراء» في المجلس الانتقالي محمود جبريل مع الرئيس نيكولا ساركوزي. وقال شمام إنه منذ إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق القذافي ونجله سيف الإسلام وعبدالله السنوسي، لم تعد هناك «أي مفاوضات، لا مباشرة ولا غير مباشرة مع النظام» وإنما «هناك اتصالات عبر طرف ثالث» لم يسمه، و «تلقينا بعض الأفكار عبر هذه القنوات، منها خصوصاً فكرة تنص على احتجاز القذافي وأسرته في منطقة نائية في ليبيا». وأضاف أنه حتى باب الاتصال عن طريق طرف ثالث أُغلق بالكامل الآن، «لأنه لا يجوز لنا إخفاء أشخاص مطلوبين من العدالة الدولية والحؤول دون مواجهتهم المحاكمة». وقال إن «المجالات أمام القذافي الآن قليلة جداً، إن لم تكن معدومة». وعن استخدام الأصول الليبية المجمدة لتمويل المجلس الوطني، قال شمام إن المجلس اتخذ قراراً «بعدم التصرف بالأموال الليبية المجمدة، والبالغة 160 بليون دولار، إلا من قبل حكومة منتخَبة»، ولكن «طلبنا قروضاً بضمانة من تلك الودائع، على أن تُنفق هذه الأموال لدعم احتياجات الشعب عبر آلية دولية شفافة». وقال إن مجموعة الاتصال الخاصة بليبيا، اتخذت في وقت سابق من الشهر الجاري في أبو ظبي، قراراً بالإفراج عما يتراوح بين 2 و3 في المئة من الودائع الليبية الموجودة في المصارف القطرية، وهي بقيمة 800 مليون دولار. ونفى شمام أن تكون هناك عمليات لبيع النفط الليبي، وقال إنه كانت هناك «صفقة نفطية أو صفقتان قبل اعتداء القذافي على الحقول النفطية، والإنتاج متوقف الآن». ورحَّب بانشقاق أيِّ شخصية عن نظام القذافي، لكنه قال إن انشقاقها لا يعني تلقائياً انضمامها إلى الثوار. وأضاف أن «هناك من انشق لكنه لا يرغب في أن يكون في صفوفنا، وهناك من لا نرغب في أن نراه في صفوفنا... و(موسى) كوسة و(شكري) غانم ينتميان إلى واحدة من هاتين الحالتين»، في إشارة إلى وزير الخارجية ووزير النفط المنشقين عن نظام القذافي. وشدد على أن الصراع في ليبيا ليس بين الليبيين، بل بين غالبية الشعب و «الآلة القمعية للقذافي». وانتقد المبادرات الأفريقية المختلفة لتسوية الأوضاع في ليبيا، قائلاً إنها «لم تلحظ الحد الأدنى، وهو رحيل القذافي وأسرته». وقال شمام أيضاً إن المجلس الانتقالي يعتزم بعد وصوله إلى السلطة إجراء مراجعة لكافة العقود التي وُقّعت خلال حكم العقيد القذافي، وسيلغي تلك التي يجد فيها علامات على الفساد. وأضاف: «في ما يتعلق بالمستقبل، فإن العقود التي وافقت عليها ليبيا ستخضع للمراجعة وإذا ظهر أيُّ أدلة على عمولات أو فساد مالي، فإننا سنعتبر أنفسنا في حِلٍّ منها». وأوضح أن المجلس الانتقالي تلقى مساعدة مالية بقيمة 100 مليون دولار من قطر قبل أيام. وفي طرابلس، نقلت وكالة أسوشيتد برس عن مسؤولين ليبيين، تأكيدَهم أن المناطق المحيطة بجبل نفوسة (الجبل الغربي) مازالت تحت سيطرة القوات الحكومية، كما أنهم نفوا تقدم الثوار نحو العاصمة. وقال رئيس الوزراء البغدادي المحمودي للصحافيين أمس الأربعاء، إن الأوضاع في الجبل (الغربي) «جيدة» و «تحت السيطرة»، كما قال عبدالنبي محمد بكري حاكم شعبية غريان، المدينة التي تُعتبر بوابة الجبل الغربي وتقع على الطريق الرئيسية المؤدية إلى طرابلس، إن «الأوضاع أفضل بكثير» مما تشير إليه التقارير الصحافية، مؤكداً أن المعلومات عن تقدم الثوار على الأرض غير صحيحة. وفي لندن، قال وزير الخارجية وليام هيغ أمام مجلس العموم ظهر أمس، إن المجلس الوطني الانتقالي الليبي حصل على مساعدات مالية لدفع رواتب موظفي القطاع العمومي في المناطق التي يسيطر عليها الثوار، وقال إن الثوار تلقوا 100 مليون دولار من المساعدات التي تم وعدهم بها من المجتمع الدولي. ووعدت الدول المانحة المنضوية في مجموعة الاتصال الدولية الخاصة بليبيا في اجتماع عقدته في أبو ظبي في وقت سابق من حزيران (يونيو) الجاري، بتقديم 1.3 بليون دولار للثوار. وفي واشنطن (أ ف ب)، صرّح مسؤول كبير في الخارجية الأميركية أمام أعضاء في مجلس الشيوخ الثلثاء، بأن الولاياتالمتحدة وحلفاءها في الحلف الأطلسي لا يسعون الى إصابة الزعيم الليبي معمر القذافي عبر ضرباتهم العسكرية على طرابلس. وأوضح المستشار القانوني في وزارة الخارجية الأميركية هارولد كوه أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، أن اغتيال رئيس دولة اجنبية ممنوع بمرسوم، وان هذا الأمر «يطبق في النزاع» في ليبيا. ورداً على سؤال لعضو مجلس الشيوخ جان شاهين، شدد كوه على أن «الحلف الأطلسي لا يستهدف أفراداً في ضرباته»، وذكَّر بأن «قواعد الاشتباك» للحلف تحدِّد بوضوح أنه ينبغي عدم استهداف القذافي. ولا ينفك النظام الليبي يعلن أن غارة للحلف الاطلسي تسببت في الأول من أيار (مايو) الماضي بمقتل نجل القذافي الأصغر، إضافة الى ثلاثة من أحفاده، مضيفاً أن القذافي خرج سالماً من المنزل المستهدَف في ما يعتبره «محاولة اغتيال متعمَّدة». ودمرت ضربات الحلف الاطلسي مكاتب في طرابلس كانت تُستخدم، بحسب الحلف، كمراكز قيادة ومراقبة. في غضون ذلك (أ ف ب) تسببت الأزمة الليبية في انقسامات سواء في حلف شمال الأطلسي الذي لم يتمكن بعد ثلاثة أشهر من الغارات الجوية من إطاحة العقيد القذافي، أو في الاتحاد الافريقي الذي تزايدت فيه الأصوات المطالبة بتنحي الزعيم الليبي. ومع اقتراب موعد عقد قمة للاتحاد الافريقي اليوم الخميس وغداً الجمعة في مالابو بغينيا الاستوائية، قال الرئيس الغابوني علي بونغو اوديمبا الثلثاء، «من أجل مستقبل شعبه، من أجل مستقبل بلاده، من أجل مستقبل افريقيا، سيكون من المستحسن أن ينسحب (القذافي) من تلقاء نفسه لتسهيل المصالحة التي يريدها الشعب الليبي». لكن الرئيس الجنوب افريقي جاكوب زوما أعرب، في المقابل، عن «خيبة أمله الشديدة» لإصدار المحكمة الجنائية الدولية الإثنين مذكرة توقيف بحق الزعيم الليبي بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. أما الثوار الليبيون فإنهم ينتقدون، من جهتهم، تقاعس البلدان الافريقية عن التحرك لحمل القذافي على التنحي عن الحكم. وفي هذا الصدد، أبلغ محمود جبريل، المسؤول الثاني في المجلس الوطني الانتقالي (الهيئة السياسية للثوار) الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي استقبله الثلثاء للمرة الثالثة، باستيائه من موقف الاتحاد الافريقي من الملف الليبي. ومن ناحية الحلف الأطلسي، ازدادت التجاذبات أيضاً، خصوصاً لأن التدخل العسكري في ليبيا استمر فترة أطول مما كان يتوقعه البعض عندما تولى قيادته حلف «الناتو» في 31 آذار (مارس)، بعد أسبوعين من تشكل تحالف دولي. وفي وقت قرر بعض دول الحلف الانتقال إلى وتيرة أسرع للطلعات الجوية، طالبت إيطاليا الأسبوع الماضي بتعليق الأعمال العسكرية، في حين أعلنت النرويج التي أرسلت ست طائرات مطاردة من نوع «اف-16» أنها ستنهي مشاركتها في الأول من آب (اغسطس). إلا أن قائد العملية الجنرال تشارلز بوتشارد يرفض خفض الوتيرة. وهو يقول إن الحلف الأطلسي حقق «تقدماً كبيراً» من خلال الاتاحة للشرق الذي يسيطر عليه المتمردون بالعودة إلى بعض من «الحياة الطبيعية»، ومن خلال تحقيق نجاحات في الغرب أيضاً. وفي أول مؤشر واضح يصدر عن مسؤول في الأممالمتحدة عن غارات الحلف الأطلسي، أشار الأمين العام المساعد للأمم المتحدة للشؤون السياسية لين باسكو في مجلس الأمن، إلى أن المتمردين «استعادوا المبادرة» على اثر الغارات الجوية للحلف الاطلسي.