المواقف الإنسانية التي صدرت من رئيسة الوزراء النيوزيلندية وردود أفعالها إزاء الجريمة التي قام بها الأسترالي الإرهابي، باعتدائه على مسجد في نيوزيلندا قبل أسابيع، فتحت باب النقاش في مجتمعاتنا العربية والإسلامية وخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، فهذا يتحدث بأن هذه السيدة تنتظر الانتخابات وجاءتها الحادثة على طبق من ذهب لتستقطب الناخبين، وآخرون يتحدثون بأن الشعوب الغربية كلها سيئة والعنصرية معششة في قلوبهم، وأغلب التعليقات عندنا كانت تدور في فلك الأفضلية حول هم ونحن. وهنا أقول لا يجوز أن نضع المجتمعات الغربية كلها في سلة واحدة، بمعنى لا يمكننا أن نحكم على المجتمعات بعقلية الأبيض والأسود، فليس من الإنصاف وضع أميركا مثلا في سلة الدول الاسكندنافية في نسب التطرف والعنف وحمل السلاح وجرائم القتل، فأميركا تعد الأعلى في جرائم القتل الجماعي، بينما الدول الاسكندنافية، ويضاف لها نيوزيلندا، تتفوق على غيرها في قيم التسامح والسلام. المجتمع النرويجي مثلا يعد من أكثر المجتمعات تسامحا، فهو مجتمع متعدد ومتنوع، وقيم السلام خضعت لاختبار قياس في 2011، عندما هزت النرويج أكبر مذبحة في التاريخ ينفذها شخص واحد يدعى «أندروس بيرينج برييفيك» قتل فيها 77 شابا، الشاب النرويجي يبلغ من العمر 32 عاماً أشقر الشعر وأزرق العينين، يوصف بأنه يميني مسيحي متطرف، يحمل مشاعر عدائية للمهاجرين الأجانب وبخاصة المسلمين، ويرى في هذا الكم الكبير من المهاجرين إلى أوروبا خطراً يهدد مستقبل القارة الأوروبية، ويسبب خللاً في التركيبة السكانية في ضوء تكاثر العنصر الأجنبي وتناقص النسل الأوروبي، اللافت أن المجتمع النرويجي وأسر الضحايا لم يعترضوا على حكم القانون الذي يقضي بالحكم المؤبد على الإرهابي، وهذا يدل في نظري على التسامح العميق الموجود في هذه الشعوب واحترام القانون الموجود عندهم، ولأن ذلك الفعل الإجرامي جاء مناقضاً لمنظومة القيم القائمة على التعايش وقبول الآخر. اجتمع الناس في أوسلو العاصمة، ووضعوا المسلمين في المقدمة، وكتبوا شعارات مدون فيها «إنكم جزء من هذا المجتمع فاطمئنوا»، مع العلم بأن الضحايا كانوا من غير المسلمين، هؤلاء يدافعون عن قيم التسامح وحرية العبادة. وتدور الأيام وبعد 8 سنوات يحدث نفس السيناريو ولكن هذه المرة في نيوزيلندا، وهنا كانت البطلة سياسية استطاعت بكل حرفية أن تظهر مهارات السلام، بدءا بوصف المعتدي بالإرهابي وتحريم تداول اسمه، ومرورا في تضييقها على حيازة الأسلحة، وانتهاء بارتداء الحجاب وقراءة القرآن الكريم في البرلمان. إنها «جاسيندا أردرن» ذات ال38 عاما استطاعت أن تسجل اسمها في قوائم السياسيين الملهمين، وجعلت من هذا الموقف التاريخي أن يخلد اسمها بماء الذهب، سواء أفازت أو خسرت في الانتخابات، فقيم التسامح والسلام لا تقاس بالانتخابات. أخيرا أقول: السيدة «جاسيندا أردرن» كل الشكر لك على كل هذه المواقف الإنسانية، ولن ينسى العالم معزوفة السلام التي نشرتِها في كل العالم وتستحق في نظري جائزة نوبل للسلام.