لا يستطيع أحد أن ينكر الجهود التي تبذلها حكومة المملكة لتأمين راحة الحجيج الذين أتوا من كل حدب وصوب، طامعين في رحمة الله وغفرانه، ولا أحد يمكنه أن يتصور ضخامة الاستعدادات والتجهيزات، وحجم الأموال التي تخصصها حكومة خادم الحرمين الشريفين، لضمان نجاح موسم الحج، وعودة ضيوف الرحمن إلى بلادهم سالمين غانمين، فمع اكتمال توافد الحجاج إلى الأراضي المقدسة، يتأكد للعالم أجمع أن المملكة هي الدولة الوحيدة التي لديها الخبرة والدراية والحرص والرغبة في تنظيم موسم الحج بكل اقتدار، وأن الدعوات التي يطلقها بعض الغوغاء بتدويل الشعيرة، ما هي إلا نتاج حقد وحسد على ما حققته بلادنا وحكومتنا من نجاح في تنظيم موسم الحج كل عام. ولعلي هنا أستطيع التأكيد على أن الأرقام والإحصاءات الواردة من الجهات الحكومية عن أعداد الحجيج وبرامج التفويج لهذا العام، تشير إلى أننا أمام موسم حج «نموذجي» بكل ما تعنيه الكلمة، سواء في خدماته أو آلية تنظيمه، وهو ما سينعكس -إن شاء الله- على درجة النجاح التي سيحققها هذا الموسم على أرض الواقع. مخطئ من يعتقد أن عمليات التجهيز لموسم الحج الحالي بدأت منذ شهور قليلة، وإنما بدأت عقب انتهاء موسم حج العام الماضي، وهو ما يحدث كل عام، ويقود في هذه الجهود ولاة الأمر -يحفظهم الله- الذين استشعروا عظم المسؤولية الملقاة على عاتقهم أمام رب العالمين، ثم أمام التاريخ والعالم الإسلامي، فكثفوا جهودهم، وكانوا أصحاب مبادرات وأفكار جديدة، تسهّل على ضيوف الرحمن مناسكهم في أمن وطمأنينة، ومن يقارن بين الحج قبل 15 عاما واليوم، يستشعر الفرق بوضوح، ويلحظ حجم الجهود المبذولة عاما بعد آخر. ولعل موسم الحج هذا العام يختلف كليا على المواسم الأخيرة، هذا الاختلاف يكمن في زيادة عدد الحجيج القادمين إلى المملكة جوا وبرا وبحرا، إذ من المتوقع أن يرتفع العدد الإجمالي لهم إلى مليونين، علما بأن العدد في العام الماضي لم يتجاوز 1.8 مليون حاج، وكان لاكتمال أعمال التوسعة في الحرمين الشريفين، وبقية المشاعر المقدسة، دور في زيادة هذه الأعداد إلى ما يقرب من 30%، في إشارة جلية إلى إمكان زيادة الرقم في المواسم المقبلة. في المقابل، حقق برنامج خادم الحرمين الشريفين لاستضافة الحجاج والمعتمرين، حلم العمر لنحو 24 ألف معتمر وحاج على مدى 21 عاما مضت، هؤلاء لهم ظروفهم الخاصة التي رشحتهم ليكونوا ضيوف خادم الحرمين الشريفين، وفي هذا العام، وبتعليمات مباشرة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- استهدف البرنامج نحو 6600 حاج من جميع أنحاء العالم، منهم 1000 من ذوي الشهداء الفلسطينيين، ومثلهم من ذوي شهداء الواجب في جمهورية مصر العربية، و2500 حاج قطري، حرص خادم الحرمين على استضافتم، لإيمانه -يحفظه الله- أنهم ليسوا جزءا من الأزمة السياسة مع حكومة بلادهم، فضلا عن 350 حاجة من ذوي شهداء الجيش السوادني. ليس من السهل مطلقا تقديم خدمات التفويج والإعاشة والتنظيم والأمن لأكثر من مليوني حاج، في بقعة أرض جبلية محددة المساحة. الكل يؤمن أن الأمر مستحيل وتكتنفه المخاطر، بيد أن حكومة خادم الحرمين حققت المعادلة الصعبة، وصنعت وتصنع المستحيل كل عام في مثل هذا التوقيت، إدراكا منها بمسؤولياتها أمام الله أولا، وأمام المسلمين الذين يرون أن المملكة تسخر كل إمكاناتها المادية والبشرية لراحة ضيوف الرحمن، وتأمين سلامتهم منذ قدومهم إلى المملكة، وحتى مغادرتها. حقا، الجهود كبيرة، والتطلعات أكبر، وأسأل الله أن يعين ولاة الأمر ويثيبهم على صنيعهم.