لا يعلم كيف تتحول سحب الدخان الخبيثة المنبعثة من سجائره إلى شريط مصور للذكريات.. ارتدى ملابسه بتثاقل وعاود السرير مشيحا بوجهه إلى الجدار، متجنبا نظرة يعرف جيدا كنهها. أشعل ثانية، سحب نفسا عميقا ونفثه بطريقة فنية ليشكل دوائر تتداخل، تحمل في طياتها وجه غادة ذات الثلاثة عشر ربيعا، والتي تصغره بعام واحد؛ ، وجهها الأبيض الذي ينتثر فيه نمش بلون شعرها الأصهب لم يكن قد لمحه إلا مرة واحدة عندما سولت له نفسه التسلل إلى شباك غرفة الضيوف المطل على شرفتها، وقبل أن يزيح الستارة كانت أمه التي تتلصص خلفه، قد باغتته بأقبح الألفاظ... أطرق وقد احمرت أذناه خزيا. في المساء كان فعله المشين موضوع مجلس الأسرة التأديبي. نظرات احتقار إخوته وتقريع والده.. أشعرته أنه جرذ معلق من ذيله. يوم الجمعة وفي الزيارة الطقسية المعتادة لبيت عمة أبيه وزوجها إمام المسجد.. أعيد فتح ملف جريرته لتكون مدخلا لخطبة جمعة ثانية عن الزناة وطرق تعذيبهم في الجحيم.. وقتها كان تفكيره الطفولي محصورا بسؤال وحيد «كيف يكون وجه غادة الملائكي في السعير»، قطع أفكاره صوت زوجته وهي تقول بلهجة مؤنبة لم تخل من ازدراء: «ألن تذهب إلى طبيب؟». لميس الزين