ناصر العُمري تبدو الدراما السعودية اليوم أمام مسؤولية تاريخية واستحقاق وطني، يتمثل في أهمية تجسيد تضحيات رجال الأمن السعودي البواسل، ونقل تضحياتهم إلى الشاشة عبر أعمال درامية تخلد تلك التضحيات، وتوثق للّحظة الراهنة. فحروب الحد الجنوبي في عصرنا الحاضر، ومشاركات الجيش السعودي في سورية وفلسطين، وكذلك حرب الوديعة، وحرب الخليج، وعاصفة الحزم، كلها تشكل تاريخا ممتدا من البذل والعطاء. ما يستغرب حقا، هو أن الدراما التي ناقشت كل ما حولنا لم تركز فنيا على دراما الحرب، وتبدو وكأنها عاجزة عن التوجه نحو هذا الخط الدرامي المهم، رغم أنها الأقدر على أن تتحول ناقلا ضخما لكل بطولات رجالات الأمن على كل الجبهات، سواء في الحروب مع الحوثيين وحرب الخليج والوديعة أو في حروبنا مع الإرهاب الذي ضرب بلادنا، وكذلك الأعمال الإنسانية والبطولية لرجالات أمننا في خدمة الحجيج. فجيشنا الباسل ورجال الأمن في مختلف القطاعات كانوا وما زالوا على امتداد تاريخ المملكة العربية السعودية، نماذج مضيئة تقدم قيم التضحية والفداء، وجسّد هؤلاء الأبطال استبسال الجندي السعودي ومعاني الصمود. وتأتي معركة الحزم التي نعيش أحداثها اليوم، معينا خصبا يمد الدراما بما يمكن التقاطه من كاميرا الحدث منذ بداية الحرب، لتشكل مشاهد حقيقية من مواقع الاشتباك المباشر مع الحوثيين، لتكون هذه الأحداث بمثابة وثيقة بصرية حية عن شجاعة المقاتلين وبسالتهم، وعن قصص إنسانية ووطنية حقيقية سجلها الجندي السعودي، فرغم كثافة المادة وتاريخيتها، ورغم وجود كمّ هائل من القصص الواقعية لتضحيات رجال الأمن البواسل والشهداء التي يمكن مقاربتها دراميا، إلا أننا لا نجد إلا فقرا دراميا معيبا. يبدو تقصيرا مخلا ألا تجد أعمالا خالدة تقدَّم بصيغ درامية تقارب نبض تلك التضحيات، وتمتد منها إلى نبض الشارع السعودي أثناء الحروب، خصوصا قصص بطولات وتضحيات أبطال الحد الجنوبي وإنسان الجنوب ممن كان على تماس مع تلك الحرب، لتجسدها لقطات بصرية وأحداثا مرئية تكشف عن أصالة الجندي السعودي، وقدرته على المواجهة. في السياق ذاته، فإن تماسك المجتمع السعودي بأكمله أيام الحرب يمثل مادة درامية خصبة، تبرز قدرتنا على مقارعة العدو ومجابهته حتى النهاية. هيئة الإذاعة والتلفزيون ووزارة الثقافة اليوم أمام مسؤولية وطنية، تحتم عليها العمل على تقديم نتاج درامي بمختلف المسميات "سهرات - تمثيليات - مسلسلات - أفلام - عروض مسرحية" توثق لتاريخ المرحلة وتعكس خلالها تماسك المجتمع ووحدته الداخلية بنيانا مرصوصا في وجه كل المغرضين. وتأتي أهمية الدراما في إعلاء قيمة الشهادة في سبيل الوطن كعرس وطني وطريق أوحد للذود عن حياض الوطن، والعمل خلال الدراما على تأصيل روح التضحية والذود عن الوطن مهما بلغت الأثمان. ولأننا في زمن الصورة، فإن الشاشة بما تعرضه من مواد درامية هي الأقدر على نقل مشاهد حية عن تماسك وتآلف الشعب السعودي على امتداد مدنه وقراه وبلداته، في مواجهة كل محاولات الاختراق للنسيج الوطني واللحمة، ونقل صور التفافهم منقطع النظير حول قيم وطنية، وتجسيد عبقرية المواطنين عند الأزمات والملمات العامة، تجسيدا دراميا عالي المستوى، حيث لهذا التوجه مفعول السحر في شحذ الهمم والقيم النبيلة. إن إنتاج أعمال درامية تكون بمثابة استطلاعات حقيقية من أرض الميدان، تبرز قدرة الفنان السعودي والدراما المحلية على محاكاة أيام الحرب، وتسجيل مشاهد خالدة يمزج فيها بين الوثائقي والدرامي، ناقلا حقائق المواجهات الدائرة وانتصارات الجندي السعودي، وتوثيقا لتكاتف جنود التحالف العربي على الجبهة أمام الحوثيين. ما زلنا نؤمل في أن تكون كل هذه القصص الخالدة والتضحيات الكبيرة مادة ثرية، يتلقفها مخرجو الدراما ليحولوها صياغات مشهدية أخّاذة تسكن ذاكرة الوطن، وتثبت خلالها قدرتها على التماهي مع تضحيات جنودنا، فالدراما الحقيقية والفاعلة جزء من آلة الحرب.