يقول ابن حزم في كتابه طوَّق الحمامة: "وقرأت في بعض أخبار الأعراب أن نساءهم لا يقنعن ولا يصدقن عشق عاشق لهن حتى يشتهر ويكشف حبه ويجاهر ويعلن وينوه بذكرهن ولا أدري ما معنى هذا على أنه يذكر عنهن العفاف، وأي عفاف من امرأة أقصى مناها وسرورها الشهرة في هذا المعنى" ص64 هذه المقولة تحيل إلى ذلك الموروث الثقافي الذي اختزنته كتب الأدب ومجموعاته فلا يكاد يخلو عصر من العصور الأدبية من شاعر مجنون أوقف شعره على وصف أنثى أحبها. ولكن اللافت في هذه المقولة وما يسترعي الوقوف عندها أن المرأة هي التي تملي رغبتها في هذا، مع علمها بأن التقاليد العربية تمنع رجلا شبب بامرأة من أن يتزوجا، فهي بهذا تقر منذ البدء بل تعترف بأنها لا تحمل له حبا بقدر ما سيمنحها ذلك الحب المنشد شعرا من الغرور الأنثوي؛ الذي يزداد بوصف الشاعر طهرها، وعلاوة على ذلك فمثل هذا الوصف هو صورة إعلانية عن تلك المرأة وما تملكه من صفات محببة قد تجلب لها زوجا ما كان ليأتيها لولا وصف محبوبها الشاعر. فهذا المطلب أو الاشتراط يحمل في ثناياه أبعادا أعمق من مبادلة الحب وإعلانه؛ فعلاوة على ما ذكر سابقا فالمرأة تدرك بدهائها وفطنتها ضعف حضورها المجتمعي والثقافي والأدبي، وبمثل هذا الاشتراط فقد رسخت حضورها في صورة مطلوبة مرغوبة اجتماعيا وأدبيا رغما عن أنف المجتمع (الرجل). هكذا يكون النص الشعري قد حقق أهدافا نسوية اجتماعية بطريقة غير مباشرة في نص الرجل العاشق. وبالعودة إلى نص ابن حزم والتأكيد على الشهرة والاشتهار، والذي بلا شك سيكون من خلال نص شعري؛ إذ ليس ثمة وسيلة أخرى للشهرة سواه، فهو لا يخلو في دلالة المطالبة من بحث عن الإحساس الحقيقي والحب الصادق الذي يجعل معياره قدرة العاشق على فضح نفسه ومشاعره واشتهار المحبوبة بين الناس؛ كما يكشف هذا النص عن معيار آخر للحب الحقيقي؛ فالحب الحقيقي والمشاعر الصادقة هي إلهام ووحي؛ فالشاعر العاشق هو مبدع أحسن استخدام حبه وبلورته في قوالب شعرية هي التي ستضمن بقاء هذه الأنثى المعشوقة مشتهرة ما بقي هذا الشعر وردد. فقد تحققت شهرة هذه الأنثى بأغلى ما يملك عاشقها، حروفه الشعرية؛ كما أن الشاعر وحتى يكون صادقا أمام محبوبته فهو يقصر شعره على محبوبة واحدة ويندر أن يحدث تعدد المحبوبات إلا إذا كان الشاعر هو محبوب ذاته الحقيقي. أضف إلى ذلك أن المرأة بهذا المعيار الذي يتطلب صدق المشاعر تضمن استحواذها على هذا المحب وتقطع الطريق على أخرى، فليس من المقبول أن تقبل إحداهن على شاعر بهذا الوصف شهر واشتهر بأنثى سماها في شعره؛ وهي بذلك أيضا تمعن في توحيد مشاعر الشاعر تجاهها وتفريغه متذللا لها في حين أنها تمعن في الابتعاد والتأبي. والخلاصة: يبقى الحب الحقيقي محفّزا ذهنيا وإبداعيا للمحب والمحبوب.