من الرائع أن نجد النص الشعري الراقي الذي يكون مكتملاً في بنائه، ومن الرائع أيضاً أن يأتي وهو يحمل أعذب وأجمل المعاني والصور التي تحكي روح الشاعر بكل ما فيها من حب وهيام وعتاب وحزن واشتياق.. وعندما نبحث عن هكذا من النصوص الشعرية، فإننا بالتالي نريد الغوص في أعماقها بالقراءة المتمعنة والفهم الحقيقي وكسب الذائقة الراقية.. كثيراً ماقرأناه مبدعاً شعراً وفناً وأدباً وثقافةً، وكثيراً ماتعلمنا منه معنى الشعر والذوق الشعري.. هو بمثابة المدرسة الشعرية المعاصرة التي تأتي قصائده دروساً للشعراء هو من قال: ياموج هون على قلبي داعيه من شطكم داعي من ضمن قصيدة أصبحت منذ زمن ليس بالقصير وهي تمثل الإبداع الشعري بكل جوانبه وأنواعه .. شاعر الروعة والإبداع الامير خالد الفيصل الذي استطاع أن يسمو بالقصيدة المحلية إلى عالم من الجمال والنجومية على المستوى المحلي والعربي بشكلٍ عام.. ذات يوم صدحت هذه القصيدة، فأصبح الكل يرددها لجمالها وعذوبتها وروعة مابها من معانٍ.. كنت أقرأها وأتلذذ بها منذ ظهورها.. وكنت أتمعن في معانيها وما بها من مفاهيم عذبة تروق وتسمو بالذائقة .. شاعرها الفذ استهلها بقوله: دستور يالساحل الغربي فليت في بحرك شراعي ياموج هون على قلبي داعيه من شطكم داعي في هذا الاستهلال البسيط والواضح أجد أن ما يحمله الشاعر من مشاعر الحب التي تفوق الوصف للبحر وشاطئه، وللساحل الجميل الذي يحبه الشاعر، كفيلة بأن تجعل منه مبدعاً وجدانياً ومن ثم شعرياً، استطاع بها أن يرسم لوحة شعرية في هذين البيتين غارقة جداً في الجمال والروعة. يستأذن الشاعر بكل رقة وعذوبة ذلك الساحل الهائم بالحضور إليه، ليأنس معه بالحب والهيام، وليرسم على بحره أعذب المشاعر بأجمل القصائد الهائمة، ثم انه يطلب بكل دقة الوصف وروعة المعنى واكتمال المعاناة في النص الشعري تُكمل إبداع الشاعر .. ذوق من ذلك البحر الذي يموج بأن يلطف به ويكون لطيفاً على قلبه، لأنه بمثابة الضيف الذي وفد إليه، فهو مدعو ليحل ضيفاً بدعوة من الحبيب. ما أجمل هذا الاستهلال اللطيف والرائع الذي يحمل ذوق شاعر في صياغة بليغة حقاً لا يجيدها إلا دايم السيف. وفي شدة الاندفاع العاطفي والوجداني لدى الشاعر بكامل هيامه وعشقه يأتي الوصف الرقيق والهامس ليقول في صورة عذبة: اللي لها مبسمٍ عذبي رعبوب وعيونها وساعي مملحوه زادها ربي لفتة ظبي يوم يراعي صورة الإفصاح الحقيقي هنا كما جسدها الشاعر، تتماماً مع لحظة العشق وتختزل في طياتها مدى الشوق ومدى الحب والهيام، من على شرفات الآه. يصف تلك المحبوبة بذلك المبسم الذي يقطر عذوبة ورقة، فهي كما يقول (رعبوب) (والرعبوب) هنا بمعنى المرأة الناعمة البيضاء، وهنا أجد صورة جاء بها الشاعر في غاية الجمال وهي أنها أيضاً ذات عيون واسعة، وهنا صورة الجمال الفاتنة للمرأة خصوصاً إذا وافق ذلك كله عذوبة المبسم عندما يبتسم بكامل جماله وعذوبته كما جسده الشاعر المبدع في هذا البيت. أضاف الشاعر في هذه الجزئية من القصيدة وصفاً رقيقاً وعذباً يحرك المشاعر بقوله: إنها مملوحة بمعنى أنها تملك رقة ونعومة جعلت منها مملوحة بخلاف كونها جميلة أم لا، ولكنها هنا في نظر الشاعر مملوحة، وكما هو معروف بأن هناك فرقاً بين الجميلة والمملوحة، غير أن الشاعر وصفها بالمملوحة لأنها هي هكذا في نظرها وهذا وصف جميل ورائع، ويضيف الشاعر بأن ذلك (الملح ) قد زاده الله من الملح الشيء الكثير لعل منها كما ذكر (لفتة الظبي) وهنا وصف رائع لا يجيده إلا شاعر متمكن كدائم السيف وهو صورة الظبي في التفاتته لأن عيون الظبي جميلة وتزداد جمالاً عند التفاتتها وهي خائفة، وهنا رسم فنان وتصوير مبدع أتقن وأجاد. وعلى أن الشاعر العذب يحاول أن يُغرق المحبوب بالوصف الذي يريد أن يكون جاداً يعبر أيضاً عن مدى ألمه في كل لحظة وفي كل لفتة ليوضح مدى تحمله للألم من خلال استهلاله للنص الجميل بقوله: لوماتهيت على دربي لقنني بدربها ساعي حنيتها من حمل ذنبي لي مت وعيونها تراعي في مفردات عذبة هنا تناول الشاعر أمراً هاماً وهو أنه إذا لم يحظَ بتلك المحبوبة في لحظة لقاء على ذلك الشاطئ الجميل الذي أتى له، فهو سيبقى على طريق الانتظار وهنا إيضاح بمدى الهيام، وكلمة (تهيت) هنا أتت بمعنى (حصلت أو تحققت) صاغها الشاعر بشكلٍ عذب وراقٍ لا يجيده إلا شاعر مبدع كدايم السيف ثم أنه في الختام يشعرها بألمه ولا يريدها تتحمل الذنب حتى وإن مات وهي تراه وهنا صورة جميلة من صور الشعر. في المجمل هنا أتى هذا النص غارقاً في جماليات الحدث واللحظة التي عانقت الأسماع بلحنها العذب الذي مازال يصدح حتى الآن وتستمتع به شريحة كبيرة من متذوقي اللحن الجميل في زمن الحب والهيام. يبقى للإبداع مساحات تعتلي شرفات الجمال ولعل إطلالة شاعرنا الفذ خالد الفيصل بفكره وشاعريته تمثل نموذجاً أكيداً على ساحة أدبنا الشعبي.