* في 19 مارس 2003 أفاق العالم على مراجعة مصطلحات ومفاهيم إعلامية ظلت نظرية، أكثر مما هي واقع ممارس. وتمثلت تلك المراجعات فيما اقترفه آخر وزير إعلام في عهد صدام حسين، محمد سعيد الصحاف الذي بقدر ما ذاع صيته حينئذ، بقدر ما أثار سخط حراس العلمية والموضوعية في علم الإعلام، الذين رأوا في ممارساته خرقا شنيعا لالتزام الإعلاميين ب"الخبر حر والرأي مسؤول" المقولة الذهبية التي تميز الإعلام عن الدعاية. دور الإعلامي ينحصر في إيصال الخبر "الحقيقة"، ولم يكن واردا في ذهن الصحاف أن معايير الحقيقة مجالها الإعلام، أما أساليب التضليل فمجالها الدعاية "بروباجندا"، المرتبطة غالبا بعدم الموضوعية. وفي 26 مارس 2015 مع انطلاق عاصفة الحزم، العملية العسكرية السعودية، بمشاركة تحالف دولي مكون من 10 دول ضد "الحوثيين" والقوات الموالية لهم ولعلي عبدالله صالح، بدأ العالم يعيد ترتيب أوراقه، وبدأ يلوح في الأفق، ألق نجم جديد، من طراز مختلف تماما عن أنموذج الصحاف الذي كان يعلن في مؤتمرات صحفية انتصارات القوات العراقية المتتالية بينما القوات البرية الأميركية تتقدم نحو بغداد، حتى سقطت، وفرت القيادة العراقية في لحظة تاريخية مشينة ومهينة، فاختفت، واختفى معها الصحاف بكل أكاذيبه وشتائمه ومنها "العلوج"، المفردة التي أحياها من التراث، بيد أنه استخدمها في سياق تضليل قاده، وفي آخر مؤتمر صحفي له يوم سقوط بغداد لأن يعلن، "الأميركان ينتحرون الآن بالآلاف على أسوار بغداد"، فانتحرت معه المصداقية والموضوعية. صياغة جديدة النجم الجديد في الإعلام الحربي أعاد صياغة معنى تقديم المعلومة العسكرية، وتوضيح مسارات الحرب، بلغة تنأى عن الشتائم، ودغدغة العواطف والمشاعر. عرف العميد أحمد حسن عسيري المستشار في مكتب وزير الدفاع والمتحدث باسم القوات المشتركة في عاصفة الحزم، بنبل الفرسان، كيف يحول المؤتمر الصحفي إلى لحظات جذب وتشويق في كل الاتجاهات، ونشاط علمي شديد الصلة بما هو واقع، ينفر من فبركة المواقف العسكرية والسياسية التي بالضرورة تؤدي إلى سقوط مهني/ أخلاقي، يفضي في النهاية إلى إحالة المتحدث العسكري لأن يتجسد أضحوكة ومثارا للسخرية، على نحو ما آل إليه الصحاف، فبغداد تسقط والعراق يحترق، والأخير يردد بصلف "إن الأميركان ينتحرون على أسوار بغداد". فيما نأى العميد العسيري عن التضليل بالمطلق، محترما قدسية المهنة وجلال العقل والمنطق. أدار العميد العسيري الذي نشأ وتعلم في مدينة الطائف، حين كان والده المتحدر من رجال ألمع بمنطقة عسير ويعيش هناك منضما إلى السلك العسكري، العملية، بكاريزما لافتة وشفافية مذهلة، حجبت صورة الصحاف السيئة التي تركت ظلالا مقيتة عن طبيعة المتحدث العسكري. لم تكن الذاكرة الجمعية ممتلئة بما يكفي عن العميد العسيري، لتتذكر أن أول ظهور له في وسائل الإعلام كمتحدث رسمي باسم وزارة الدفاع في المؤتمرات الصحفية، إبان الحرب السعودية الأولى مع الحوثيين عام 2009، لكن الكاريزما الباهرة، والثقة التي تشع من عينيه وهو يتولى مسؤولية الحديث إلى وسائل الإعلام عن غرفة عمليات عاصفة الحزم 2015، جعلت العالم يفتش في أقاصي الذاكرة، مستعيدا صورة بدت أكثر ألقا وإشراقا للعسكري الذي حاز المرتبة الأولى على دفعته من كلية سان سير الفرنسية، ونال درجة الماجستير في العلوم العسكرية من كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة السعودية، وماجستير في دراسات الدفاع الوطني من فرنسا إلى جانب درجة ماجستير في العلوم الإستراتيجية، كل هذا التأهيل العلمي/ المهني، جعله أيقونة مضيئة من أيقونات صد العدوان وحرب استعادة الشرعية اليمنية التي يقف على منصاتها الإعلامية، لتوضيح تفاصيلها وأخبارها، خائضا في مستجداتها، متلقيا استفسارات الصحفيين، متحوطا لفخاخهم ومشاكساتهم بذهن متقد، وعقلية منظمة، ولغة آسرة، تعرف تماما ماذا تريد أن تقول، بلا سباب أو شتائم، تتنوع بين العربية والانجليزية والفرنسية، لتقدم بهاء إعلاميا يفي بمتطلبات المهنة، دون الوقوع في جعجعات كلامية تدفع إلى صيرورة هي احتضار بلا خاتمة.